Thursday, November 20, 2008

خطوات ضبابية 3 - 4

 



 


(3)


رأيتُ نفسي كأنني استيقظت من النوم في غرفتي، وكان النور مطفئًا والباب مفتوحًا، فنهضت وخرجت إلى غرفة المعيشة فلم أجد أحدا، فتوجهت نحو غرفة النوم الأخرى فوجدت بابها مغلقًا، ففتحته ورأيت داخل الغرفة عدد من أقاربي الرجال ملتفين في وجوم حول السرير، وكان على السرير ميت مسجى، عيناه مغمضتان والوجه مشدودًا وعليه بريق لامع، وخَطَرَ لي في هذه اللحظة أنني أعرف هذا الميت جيدًا، فهذا جثمان شاعر النيل حافظ إبراهيم!!، لا شك في ذلك .. تلك ملامحه وهذا شاربه الصغير الدقيق!، ثم رفعت نظري من على الجثمان لأرى كل عيون أقاربي مثبتة نحوي، وكأنهم كانوا لا يرغبون في أن أرى هذا المشهد، واستمرت نظراتهم إلىّ مما اضطرني إلى أن أغلق الباب مرة أخرى.


 


(4)


رأيتُ نفسي كأنني أسير في إحدى شوارع المدينة الواسعة، وكان برفقتي رجل عملاق لا أعرفه يفوقني طولا كثيرًا، ولكن كان من الغريب أنني لم أشعر بفارق الطول الرهيب بيننا، فأنني لم أكن أواجه صعوبة في الحديث معه ونحن نقطع شوارع المدينة معا، وكان الوقت صباحا والسماء صافية، ثم فجأة شعر الرجل العملاق بألم شديد وسقط على الأرض بجانبي، وأحسست عندها لأول مرة أنني قزمًا للغاية بجانب جسمه الممدد على الطريق، فتسلقت فوق صدره وضربت قلبه بكلتا يديّ عدة مرات في جزع، قبل أن يستفيق قليلا ويفتح عينيه في بطء، ثم تحامل لكي يقف وهو ينظر لي نظرة امتنان!


 


 


---


لمعرفة معنى هذه السلسلة راجع هذه التدوينة

Wednesday, November 19, 2008

حاسة سادسة أم صدفة؟


 


اعتذار


أشعر أنني قصرت هذا الأسبوع في شأن مدونتي، وكم افتقدت الكتابة فيها جدا، ولكني الآن أمر بتجربة جديدة في حياتي وآمل أن تكون نافعة وأن تستحق الكتابة عنها ذات يوم .. وعذرًا :)


 


حاسة سادسة!


 


بعد منتصف الليل بقليل، وقبل أن أبدأ في صعود كوبري المشاة الذي يفصل بين المنطقة التي أنا فيها الآن وبين بيتي، أتى لي يقين بأنني سأقابل على الكوبري فلانا، وكان لا أحد على مرمى البصر أمامي في هذا الوقت والشارع هادئ إلا من إضاءة خافتة تأتي من بعيد من أحد أعمدة النور المتناثرة.


ومن الغريب أن هذا الشخص بعينه لا أعرفه معرفة تامة ولم أقابله سوى بضع مرات قليلة، ثم أنه في العقد الخامس في عمره وأنا مازلت في الثاني!، فلم تكن مقابلته ضرورية لي ولم أملك ما قد أقوله له.


قلت ذلك لنفسي عند صعودي درجات سلم الكوبري واجتزت وحيدًا ممر الكوبري قبل أن أبدأ الهبوط من الجانب الآخر في شرود معتاد، ثم لاحظت عن بدء نزولي بيد هذا الشخص تمتد مصافحة لي وتخرجني من حالة شرودي لانتبه له فلولا أنه لاحظني عند نزولي السلالم وصعوده هو من نفس الناحية ومدّ يديه للسلام لما كنت رأيته، ولن أكلمكم عن حالة الدهشة التي نجحت في إخفائها وأنا أصافحه، ففي هذا الوقت المتأخر لم يكن على الكوبري أحد غيري وغيره، ومن الغريب مرة أخرى أن الحوار الذي دار بيننا في هذا الوقت يعتبر أطول حوار متصل تبادلته معه، وطالت وقفتنا، فشكرا لك يا فلان فقد كنت بحاجة لمثل هذا اللقاء. 


 


أو صدفة!


 


قلت فجأة :


- لا أعرف ماذا يعني اسم «ميرا» !!


قالت أمي :


- «ميرا»؟!


- نعم!


قالت:


- حسنًا!، بهذه المناسبة .. حفل زفاف «ميرا» هذا المساء!


---


ماذا يعني هذا الكلام؟، يعني أنني فجأة نطقت باسم «ميرا» أمام والدتي وقلت أنني لا أعرف عما يدل هذا الاسم، و«ميرا» الوحيدة التي أعرفها كانت معي في مدرستي الابتدائية وفي نفس الفصل، وأتذكر أنني كنت لا أحبها لأن أمي كانت تستخدمها دائما للتجسس عليَّ وخاصة أنها تعرف والدتها كصديقة!


فالصدفة هنا أنني ذكرت اسمها مع أنني لم أقابلها منذ أيام المدرسة وعندما تذكرتها فجأة كان هذا يوم زفافها


معلومة عرفتها الآن .. ميرا هو اسم لإحدى النجوم الحمراء العملاقة وصورته في أعلى هذه التدوينة


العلم نور :)



 

Wednesday, November 12, 2008

طفلة



تقدمت نحوها من الخلف، وقلت:

«ماذا تفعلين؟»

استدارت الفتاة الصغيرة في دهشة، ونظرت إليَّ بعينيها الواسعتين قائله:

«لا شيء!»

قلت وأنا أنظر إلى سطح السيارة المترب كالعادة:

«أكنتِ تكتبين على سيارتي؟»

هزّت رأسها بالنفي في اقتضاب، فقلت مبتسمًا:

«يبدوا أنك لم تفعلي ذلك بالتأكيد يا إيمان!»

ضاقت عيناها في شدة وهي تتساءل:

«عارف أسمي؟!»

فقلت بنفس الابتسامة السابقة وأنا أشير أمامي:

«هذا هو الذي كنتِ تكتبينه منذ قليل!»

فالتفتت في سرعة ومسحت بطرف ثوبها جزء من سطح السيارة أمامها، فبادرتها قائلا:

- «شكرًا»

- «لأي شيء؟»       

- «لمساعدتي في تنظيف السيارة!»

فنظرت إلى في غضب طفولي ولم تجب، وأسرعت مبتعدة!

Saturday, November 8, 2008

جاري .. ذلك المجهول


المدينة قاسية .. بمبانيها المرتفعة وشرفاتها الخالية أغلب الوقت، فالجميع في الداخل، هناك من يشاهد التليفزيون، هناك من يتحدث في الهاتف، وهناك من يجلس أمام شاشة الكمبيوتر الآن .. مثلي ومثلك!.


عندما كنت صغيرًا وعند شعوري بالملل الشديد، أخرج إلى الشرفة وأجري سباقًا خياليا بسيطًا بين كل ناصية من نواصي الشارع المقيم به، فالناصية الفائزة هي التي سيجتازها  أكثر عدد من الأشخاص في وقت معين، فمرور الرجل أو السيدة بمفرده له خمس نقاط ومرور رجلين أو سيدتين معًا له عشر نقاط، ومرور شخص على دراجة له عدد آخر من الدرجات، وهكذا إلى أن ينتهي الوقت المحدد وتعيين الفائز!، ولكن كان هناك تحيّز، فعندما كنت أقيم هذا السباق الخيالي وأمي أو أبي بالخارج، فأن مجيئهما من أي ناصية كان كفيل بإنهاء السباق وإعلان فوز هذه الناصية بالسباق حتى وإن لم يجتازها خلال الوقت المحدد أحد غير أبي أو أمي! ^_^


وكذلك أيضًا عندما كنت أركب وسيلة مواصلات ما لمكان بعيد تطول خلاله المسافة، مثل المصيف مثلا، أعتدت أن أتخيل شخصية كارتونية على لوح تزحلق خشبي وهي تجتاز في رشاقة السيارات التي حولي وتجتاز بدون تصادم أعمدة النور والنخيل والأشجار والأشخاص، كل ذلك لكي يمكنها أن تلحق بالعربة أو بالأتوبيس الذي أركبه، وعدم فقد أثري، كل ذلك وهي تقوم بحركات بهلوانية بلوح التزحلق أثناء محاولتها اللحاق بي!


 


قلت أن المدينة قاسية، صح؟، إذن دعوني أكررها مرة أخرى، المدينة قاسية!، وجيراننا نجهلهم، ولا أقصد بذلك جيراننا المقيمين في نفس بنايتنا فقط، ولكن أقصد الآخرين، هذا تقصير منّي، وهذه المشاهدات البسيطة هي محاولات لأن أتذكر عادات جيراني الذين لا أعرفهم!


وحاول!، فستلاحظ أن هناك عادات صغيرة لهم تتكرر من حولك، أشخاص تراهم هنا وهناك وهم يكررون عاداتهم اليومية الصغيرة .. في شارعك .. بالقرب منك .. أثناء ذهابك للصلاة .. لشراء احتياجاتك .. هذه دعوة لك لمحاولة تدوين عادات جيرانك .. ولتستكشف ذلك المجهول معي.


  وكعادتي في عالم التجزئة والسلاسل! ^_^، سأدون ما أراه أو أتذكره من تلك العادات تحت عنوان ثابت وبسيط  \\جيران وعادات\\


انتظرونا، مع أني لم أكتب شيء بعد، وآه وبهذه المناسبة .. أخيرًا عملت حكاية التصنيفات لكل موضوع، وأضفت قائمة التصنيفات على الجانب لتسهيل الوصول (قال يعني ممكن حد يتوه في مدونتي من كثرة مواضيعها ^_^ )


واممم مش بحب اكتب موضعين في يوم واحد ولكن هذا ليس موضوع، إنه إعلان كما ترون :D


ونقطة أخرى، صدقا لا أعرف ما الرابط العجيب بين مقدمة الموضوع وبين نهايته!، هكذا حدث الأمر!


 

عن يوم الجمعة 1



كان الأمر الممتع في اكتشاف أن الأستاذ الدكتور/ يحيى هاشم حسن فرغل، يسكن بالقرب منا، وأن أبنه صديق لخالي منذ زمن بعيد، كان الأمر الممتع في ذلك أني حصلت على مجموعة من كتبه التي قام بوضعها، بصفته عميد كلية أصول الدين بالأزهر سابقًا، وسألت لماذا أغلب هذه الكتب غير منتشرة وتم طبع كثير منها في مطابع ودور نشر مغمورة وعلى نطاق ضيق، وكانت الإجابة: هذه الكتب ليست روايات ولا تحمل أغلفتها صور فتيات جميلات.

كان خالي يمزح :)     


ثم قابلت بعد ذلك بأيام ابن المؤلف، وسألني ما الذي أعجبك في كتب والدي حتى الآن، فقلت ضاحكًا: رأيه في الزواج العرفي بالتأكيد!


أما لماذا قلت هذا؟، فلأن والده استعرض أسس الزواج العرفي وقواعده، وقال بعد كلام كثير أنه على أكمل ما يكون الحلال، وليس كما قال آبائنا وأجدادنا من قبل "زواج مشبوه .. وزنا فاضح!"


وماذا قال أيضًا، وسأكتفي نقل المعنى، قال أن الزواج العرفي يعني أنه غير موثق من الجهاز المدني مما يعرضه لمخاطر إسقاط الدعوى أمام المحاكم وضياع الحقوق وما إلى ذلك، ثم يقول بعد كلام كثير وبعد مهاجمة هذا الدستور القانوني أنه يكفي أن نعلم أن صورة الزواج العرفي بدون توثيق سارية في بعض البلدان العربية عند جماعات البدو، وسكان الواحات لا يزالون يعيشون عصر القبائل فتتصاهر الأسر ويتم الزواج والإنجاب بعيدا عن أعين الدولة وقانونها ولا يستطيع أن يقول أحد أن هذا الزواج وإن خلا من التوثيق غير صحيح، ثم يقول: ولم نعرف أن مذهبًا من المذاهب جعل التوثيق أمام موظف النظام المدني شرطًا أو ركنًا من أركان الزواج، فكان هذا إجماعًا على صحة الزواج بغير هذا التوثيق، أي أن تحريمه مخالفًا للإجماع.


ثم يترك هذه النقطة بعد الانتهاء من تفنيدها، ويأخذ في  مواجهة النقطة الثانية، وهي اشتراط الأهل، فهو أولا يسوق حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي عليه السلام "أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل"، فيقول أن هذا الحديث ليس في البخاري ومسلم، ويستقبله بصدر رحب ثم يأخذ في تتبعه من مصادره ثم يورد أحاديث صحاح أخرى في نفس المضمون ويتناولها بالتأويل والتفسير، ثم يأخذ في تتبع سند حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، إلى أن أسقطه وساق بذلك أدلة أصحاب مذهب أبي حنيفة في ذلك، وقال متسائلا: كيف تجالهنا فجأة مذهب الإمام أبي حنيفة في الموضوع كأنه لم يظهر إلى الوجود، ومن يملك أن يوصد أبوابه أمام من يأخذ به في هذه المسألة من الشباب، وسخر قائلا بأن في عقد الزواج المصري يصرح به عادة بأنه (على كتاب الله وسنة رسوله وعلى مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان) وقال أليس هذا من التناقض؟


 فمذهب أبي حنيفة لا يشترط بأي حال وجود الولي في الزواج وجواز زواج البكر والثيب بدون ولي، وصحة ولاية المرأة عن نفسها، وذكر قول الإمام الطحاوي الذي روى عن عمر وعلى وابن عمر رضي الله عنهم جميعًا قولهم بجواز زواج النكاح بغير ولي.


الكلام في هذا يطول، ولكن  هناك نقطة هامة، وهي أن الكاتب لا يدعو أبدًا إلى الزواج العرفي والترويج له، وساق مثال لهذا وقال: هل يلزمنا أن نأكل لحم الضب أو الجراد لأنه حلال؟ إن هناك فرقا واضحا بين موقف الدعوة لشيء وموقف الالتزام بحل ما أحل الله.


فالكاتب يرى أن هناك من الشباب بسبب وطئه الظروف الاقتصادية وتعنت أهل الزوجة كثيرًا في مطالبهم وأتخيرهم سن زواج البنت إلى لما بعد الثلاثين، ارتضوا هذا الأسلوب في الزواج حماية لهم من أشياء كثيرة، ثم واجهوا في ضعف نظرة المجتمع لهذا النوع من الزواج بأنه زنا، فأحب الشيخ أن يوضح أن هذا الزواج العرفي لا يعارض الدين الإسلامي في شيء.


ولكنه كما ذكرت يورد في نهاية الخطبة قوله بأنه مع زواج المرأة بولي، والنصيحة غير الفتوى، فهو لا ينصحها بأن تتخلي عن الولي عند الزواج، لأن ذلك يمثل دعم وحماية لها، لا لأسرتها كما يعرض الناقدون، حماية لها بقاعدتها الأسرية عند الخصومة مع زوجها أو مع أهله، وهي من يفترض أن تكون الأشد حرصا عليه من الولي نفسه .. ما سبق كان كلام الكاتب.

وكنت أمزح بالتأكيد في عندما سألني ابنه عن أكثر ما أعجبني في مؤلفات والده الدكتور .. ولكن .. لحظة لماذا أراكم تبتسمون الآن؟؟!!

Thursday, November 6, 2008

اللص والكلاب


 

أما اللص فهو بطل الرواية والراوي الذي نرى الأحداث بعينه، وهو لص قديم محترف دخل السجن لعدة سنوات بسبب وشاية وهو يتقن حرفة واحدة وهي السرقة وخرج وهو يتقن حرفتين: السرقة والخياطة، ولأن حرفة السرقة هي أقصر طريق لكي يؤسس حياة لائقة تكفي لكي يقنع القاضي بأنه قادر على استعادة ابنته من أنياب زوجته التي حصلت على الطلاق وهو في السجن وارتمت في أحضان صديق له، وهذا الصديق الأخير هو الذي يظنه بطل الرواية مصدر الوشاية به لضباط المباحث، لذلك فهو يكرهه وتغذى على هذه الكراهية في ظلام ليالي السجن وهو يحلم بوحشية بالانتقام منه ومن زوجته الخائنة!، وهو يرى أن هذا الصديق بعض من إحسانه، فهو الذي علمه الوقوف على قدميه بعد أن يتعلق في ساقيْ البطل كالكلب، وهو الذي جعل جامع الأعقاب هذا رجلا، والوصفان الأخيران ليس لي وإنما الراوي والبطل هو الذي قالهما لنفسه في لحظة خروجه من باب السجن، لتلك الأسباب قرر العودة مرة أخرى إلى مهنته الأولى وهي السرقة، وخاصة مع اقتناعه أنه لم يسقط في قبضة الشرطة إلا بسبب تلك الوشاية


إذن فهو يرغب في الانتقام الأعمى مِن الذين يظن أنهم السبب في دخوله السجن، زوجته السابقة وصديقها، وأحيانًا قد يرق قلبه ويفكر في مصير ابنته الصغيرة التي تعيش معهما، ولكنه لا ينشغل بذلك كثيرًا فهدفه هو قتلهما فقط، لذلك ذهب بلا وعي تام إلى شقة ذلك الصديق، ولكنه وجد عائق وهو أصدقاء ذلك الصديق وأعوانه، فراوغ وقال أن جاء ليرى أبنته التي كانت بمثابة النقاء بعد المطر كما يقول، ورآها بالفعل ولكنها لم تتعرف عليه وحاول احتضانها أو تقبيلها ولكنه لم يفلح تماما، وخافت وهربت منه، فهو قد أصبح رجل غريب لها.

فيترك ذلك المكان إلى الشارع إلى اللا مأوى، ويتذكر شيخ والده، ذلك الشيخ الكبير الوقور والذي يرأس حلقة صوفية، وله مريدين وأحباء، يأتون عند المغرب من أجل حلقات الذكر والإنشاد الصوفي، ولكن البطل هنا لم ينتفع بذلك الجو الإيماني ولم يفلح جو الشيخ النقي في إزالة احتقان الرغبة في الانتقام، ولا يوجد شك أن البطل يعتبر الشيخ ملجأ الأمان ولكنه لا يجد عنده الأمان الذي يريده وإن كان هذا الشيخ الصوفي هو الأمان نفسه كما يقول البطل.


ثم يقرر الذهاب إلى صديقه وشريكه وأستاذه في السرقة سابقًا، ولكنه يجده قد استقام وأصبح صحفي له شهرة واسعة وصاحب جريدة خاصة، فيزداد حقده عليه لأنه نفسه ذلك الشخص الذي كان يدافع عن الفقر والسرقة فيما سبق، ولكن البطل يقرر الذهاب إلى فيلته الفخمة المبهرة، وهناك يرفض أن يعطي له عمل محرر أو كاتب مقال في صحيفته الخاصة، فهو وإن كان السبب في جعل البطل قديما يحب القراءة والثقافة إلا أنه رأى في عينيه ومن فلتات لسانه أشباح الحقد والضغينة، فيكتفي بأن يضع في يده بعض المال.


وهذه المعاملة جعلت البطل يخرج من فيلا أستاذه الفخمة ممتلئ من الحقد والغضب، بعد أن زادت الرغبة أكثر وأكثر في العودة إلى السرقة، وسيبدأ بسرقة فيلا أستاذه هذه، عسى أن يغنم ولو محفظة نقوده التي أخرج منها هذا المال القليل الذي في يده، ولكنه لم يفلح في ذلك، وضبطه أستاذه في السرقة وهو يحاول سرقته، فاستعاد منه النقود التي وهبها له، وطلب منه قطع أي علاقة به، والخروج من منزله بلا عودة.



وبعد هذا يلجأ إلى صديق له صاحب مقهى، الذي يذكره بسيدة تعمل في مهنة الدعارة، والتي كانت تساعده قديما في السرقة عن طريق الإيقاع بزبائنها في فخ البطل، وهذه السيدة من كثرة معاملاتها في مهنة الدعارة سئمت وظمئت إلى عاطفة نبيلة مجردة من المادية، والبطل ساهم بغير وعي في ملء هذه الفجوة العاطفية التي كانت تحتاجها وهي تجتاز سلالم عمرها الثلاثيني.


ويطلب من صديقه صاحب المقهى مسدس، ويذهب في الليل إلى منزل زوجته الخائنة وصديقها،ويطلق النار، ويذهب إلى ملجأ الشيخ الصوفي وينام هناك، ليستيقظ متأخرًا ويعرف من الجريدة أنه تورط في قتل شخص بريء لا يعرفه، فزوجته وصديقها هربا منذ اليوم الأول من منزلهم إلى مقر آخر خوفًا من انتقامه الذي لم يفلح أبدًا في إخفائه في نظرة عينه المتوهجة غضبًا، فيغضب لأنه قتل بريئًا لم يقابله أبدًا، ويغضب أكثر لأن علم فيما بعد أنهما انتقلا مرة ثانية إلى مقر آخر غير معروف، بلا أمل في معرفة مكانهما وتحقيق حلم الانتقام.


ولكن الرغبة في الانتقام لم تنطفئ باختفائهما، وإنما تم تحويل مسارها وهي مندفعة نحو شريكه وأستاذه في السرقة، لعدة أسباب: للحقد تجاهه بسبب ثورته الضخمة وقصره الفخم، وبسبب تنكره لمبادئه التي قالها وهو شاب دفاعا عن الفقر مهنة السرقة، وأخيرًا بسبب هجوم جريدته المستمر عليه وإبراز الضوء على جرائمه السابقة حتى لقد أصبح حديث الشارع ونجم الصحافة، مما أدى إلى زيادة اهتمام الشرطة بأمره وكأنه القاتل الوحيد في العالم.


إذن فهو يريد شيئًا واحدًا، الانتقام فقط، وإن اختفى محور الانتقام الأول، فسيتجه إلى غيره!


فيذهب إلى فيلا أستاذه بغرض القتل هذه المرة، وهو متنكر بزي ضابط خاطه بنفسه من حرفته الثانية التي تعلمها في السجن ولم ينتفع منها إلا في تلك المهمة، ذهب إليه وأطلق النار!، ويذهب ليختبأ في منزل صديقته سيدة الدعارة، التي أحبته بعد أن وجدت فيه ما ينقص حياتها، وبادلها الشعور قليلا قليلا إلى  أن ملأت عليه كيانه كله، ذهب إليها واختبأ إلى الغد وحين قرأ الجرائد اكتشفت للمرة الثانية أنه قتل خادم أستاذه ولم يخدش أستاذه في السرقة بخدش واحد!، فيزداد حنقا وغضبا، وتزداد جريدة الأستاذ شراسة في الهجوم عليه وتنقيب ماضيه الأسود، ولتزيد أيضًا شراسة الشرطة في البحث عنها، فيظن البطل أن كل شخص يراه هو مخبر سري سرعان ما سيتعرف عليه ويقبض عليه.


ويحدث أن تتأخر السيدة، لسبب لا يعلمه، ويطول تأخرها، فتزداد شكوكه ويظن أن مكافأة الشرطة في القبض عليه قد غيرت قلبها نحوه!، ولكن لأن الحب تمكن منه طرد سريعا تلك الفكرة من تفكيره، ويزداد تأخرها فيخرج من مخبأه لديها، ويذهب مرة أخيرة إلى بيت الشيخ الصوفي، وينام ويستيقظ على آذان المغرب ومجيء المريدين ويسمع أصوات حلقة الذكر والإنشاد، ويعلم من صوت ما أن الحي كله محاصر، فيخرج ويلتجأ للمقابر، ويزداد هناك الخناق عليه، وتتبع الكلاب البوليسية المدربة رائحته من خلال بدلة الضابط التي خاطها ونسيها في منزل سيدة الدعارة، فيطلق عدة رصاصات بلا معنى أو هدف، ليشعر بعدها أنها النهاية، وأن شخصيات الانتقام أصبح لا وجود لها، فلا معنى الآن لأي موضوع أو وضع أو غاية، فيستسلم بلا مبالاة.



وهناك عدة رموز في الرواية:
بطل الرواية يرمز إلى طبيعة الإنسان، والشيخ الصوفي العجوز والفتاة الصغيرة قد يرمزان لضعف الجانب الطيب والوازع الديني، فالشيخ نصح البطل فقط في كلمات مبهمة وبسبب سيطرة الشيطان على عقله لم تستطع هذه الكلمات أن تمارس مفعولها، والصديق صاحب القهوة قد يرمز للشيطان المساند دائمًا لأعمال الإنسان الشريرة لأنه لم يكن يسانده بشكل فعلي وإنما كان يوفر له كل وسائل مساعدته على الانتقام، وسيدة الدعارة التي اختفت ربما تكون رمز مشاعر التوبة، فهي حركت مشاعر سامية نبيلة في قلب الإنسان، وهي أيضًا التي اختفت نهائيًا من حياته عند قتله للشخص البريء الثاني، مما يرمز إلى أنه قد وصل إلى قاع لا تنفع التوبة فيه، والزوجة السابقة وصديقها عوامل خارجية مؤثرة بذاتها بنسبة ضئيلة، والنسبة الباقية هي التي صنعها الإنسان بشروره ونفسه الأمّارة بالسوء.