Monday, July 20, 2009

إبداع الشباب ليس للشباب!، يكتبه: فتحي سلامة




لا أعلم إن كان الأستاذ فتحي سلامة قد لاحظ من قبل أن مقاله الأسبوعي في صفحة ثقافة وفنون في جريدة الأهرام يقع تحت عنوان اختاره له منذ زمن بعيد وهو «إبداع الشباب»!

فالأستاذ ليس شابًا وإنما كهل، وهذا ليس عيبًا، فالشباب يحتاج سواء بوعيه أو لا إلى أن يتكأ إلى سواعد الخبرات السابقة للمتمرسين في مجاله الذين أمضوا سنوات عمرهم في اكتساب الخبرات والإطلاع، أو كما يفترض منهم ذلك!

ولكن الأمر في هذا المقال اليومي أنه أبعد شيء عن «إبداع الشباب»، تابعته أحيانا كثيرة خلال السنتين السابقتين، وفي كل مرّة تمنيت أن ينتبه أحدهم إلى العنوان فيغيّره بجرة قلم لأرتاح!

ستراه يكتب بإعجاب عن رواية «عزازيل» للأديب (الشاب!): «يوسف زيدان» (1958 - ....)، وستقرأ له تحية حارة إلى الأديب السوداني (الشاب!) «مصطفى عوض بشارة» (1938 - ....)، وستقرأ فصولا من سيرة الأديب الكبير «ثروت أباظة» (1927 - 2007)، وستمتع عينك عندما يحكي لك عن غرامه بالشاعر الكبير «على الجارم» (1881 - 1949)، وكذلك إعلانه عن صدور كتاب نقدي (جديد) للناقد «صلاح فضل» (1938 - ...)، ورواية جديدة للروائية (الشابة) «مديحة أبو زيد» (1945 - ....) ناقلا لها أمنيته في أن تستمر في الكتابة أكثر، والسخرية هنا أن هذه العبارة تقال للشباب في الغالب لتشجيعهم على الاستمرار في هذا المجال الصعب، ولا تقال لمن تجاوز الستين وتفرغ للأدب!، وستجده يكتب أصداء باهتة عن أستاذه توفيق الحكيم ( 1898 - 1987)، وستقرأ له وهو يحكي عن نفسه وعن مشروع روايته القادمة وقرب صدورها، وستسمع تنهيداته المتوالية (الشبابية) على القرارات التي تمس (معاشات) اتحاد كتّاب مصر مطالبًا بزيادتها قبل أن يتوفى المزيد من الأدباء الذين يستحقون (المعاشات) كما قال، وستراه عقب إعلان نتيجة جوائز الدولة الحالية يتنهد تنهيدة حارقة، ويبدأ مقال «إبداع الشباب» بالحسرة على النتائج الظالمة، ثم يتحدث فقط عن الفائز بجائزة الدولة (التقديرية)، ويقول:

"وكنت أتمني أن ينالها الكاتب المبدع عبد العال الحمامصي الذي ظل شمسا في دنيا الأدب أعواما كثيرة‏,‏ حتى هاجمه المرض اللعين فأرقده بين الحياة والموت‏."
وقال أيضًا بتواضع لا يخفي على أحد:
"وكان من الممكن أن ينالهما اثنان من ثلاثة هم من رواد الرواية والقصة‏,‏ وهم كاتب هذه السطور الذي قدم ما يقرب من خمسين كتابا‏، ..."
الحمد لله على ذلك، ويقصد في الفقرة الأولى: عبد العال الحمامصي (1932 - ....)، وهو أديب مخضرم يقترب من الثمانين، ولم يذكر ولو سطرًا واحدًا عن نتائج جوائز الدولة التشجيعية (للشباب)، بدلا من التقديرية التي تذهب إلى الذين أفنوا عمرهم كدًا واكتسابًا، كما قال شوقي!، ومن الصعوبة أن أعدد أسماء الأدباء الذي يذكرهم فجميعهم تجاوزوا مرحلة الشباب منذ زمن غابر، ومنهم جابر عصفور ، والسيد يسين، وفوزي فهمي، ومحمد سلماوي، وجميعهم قمة في مجالهم لا يزيد إليهم امتداح مادح ترك مصباحه المسلّط فوق أدب الشباب ليتجه إليهم!

أما أكثر ما يزيد الحنق، فهو ما فعله عندما كتب ذات يوم وكأنه قد أحس بالتقصير تجاه «إبداع الشباب»، وتقصيره الأشد في تناوله لأدب الشباب الجديد، فتقرأ له عذرًا قبيحًا جدًا، أسوأ من تقصيره بألف مرة، تساءل فيه ماذا يفعل وهو لا يتلقى الكتب الجديدة التي تُصدر، يريد أن يقول أنه مادامت الكتب الجديدة لا يرسلها له الناشر أو الكاتب بالإهداء فهو لا يسمع عنها، (أشار في مقال آخر أنه تلقى رواية «يوسف زيدان» بالإهداء أيضًا)، أي نوع من الكتاب الذي يستجدى الكتب الجديدة بهذا الشكل، كأنه يقول: أيها الكتّاب الجدد أرسلوا لي كتبكم لأقرأها!
ويقول في هذا المعنى في مقال آخر:
"سامح الله رجال الثقافة الجماهيرية الذين قطعوا عني ما كانوا يرسلونه من إصدارات الهيئة حيث يمكننا المتابعة والكتابة عن أهم هذه الإصدارات وكذلك فعلت هيئة الكتاب ولم تعد لدينا إصدارات جديدة نشير إليها واضطررنا إلي الالتزام بما ترسله لنا دور النشر الخاصة التي لا تزال تهتم بإرسال ما تقوم بنشره‏"
وفي مقال إعلانه عن كتابته لرواية جديدة تراه يقول:
"كنت أكتب مجموعة قصص بعنوان الطريق إلي مكة لكن لم أستطع إكمالها‏,‏  فالأمر لم يعد فقط إخبار الحوادث المفجعة‏,‏ إنما تعدي إلي كتابات الأدباء التي تصلني‏,‏ ومعظم هذه الكتابات تدور حول مافيا التموين وعشرات الواردات المسرطنة التي تدخل إلي بطوننا‏"
وعندما تناول في مقال له رواية جديدة، استهلّ مقالته بالآتي:
"أمامي الآن أربع روايات جاءتني مرة واحدة من الإسكندرية‏,‏ وهي .. الخ" 

هنيئًا لك مجيئها ووصولها السعيد، وحسنًا فعل رجال الثقافة الجماهيرية هؤلاء!، وشعرت حينها بنفس شعوري الذي داخلني عندنا قرأت لروائي آخر شهير يكتب سلسلة مقالات أسبوعية في الأهرام، عندما تكلم عن كتاب جاء له هدية بالإهداء من صديق له، وكان الكتاب يقع في جزأين كبيرين، فعلّق قائلا: أنه لولا وصول الكتاب إليه من صديقه لما قرأه، لأن السن علته، ويوضح ما يريد فيقول أنه عندما تعلو السن ويقترب المرء من نهايته فهو وقتها لن يضع خطط طويلة الأمد لحياته، ومن ضمن ذلك بالتأكيد قراءة كتاب دسم ضخم يقع في عدة أجزاء!، هل تريد أن تصيح قائلا «يا سلام!»، لا داع، لقد سبقتك!
النهاية، أنا ليس ضد هذه الموضوعات التي يتناولها، فمنها المفيد ومنها ما هو دون ذلك، ثم أنه عندما ينقد يكتفي بذكر الملامح العريضة جدًا للرواية أو الكتاب، فيذكر لك اسم الكاتب وملخص شديد الإيجاز عن موضوع الرواية، كأن يكتب مثلا: "وهي تتناول هموم المجتمع"، ويسكت!، لا يهم!، فهذا أسلوبه وطريقته في الكتابة عن الإصدارات الجديدة إن جاءت له، كل ما أتمناه في أمره هو أن يتغير عنوان هذا العمود الذي يثير الأسى بداخلي، فليس معقولا أن ترى 99% من المقالات تتناول أحداث عادية، و1% على فترات متباعدة تتناول أدب وإبداع الشباب!

نعم!، كتبتُ قرابة التسعمائة كلمة الآن من أجل المطالبة بتغيير العنوان فقط، لا تتعجب فالوقت هنا كثيف وموجود بكثرة كحبّات الرمل، كما قال أستاذنا العقاد وهو يصف الوقت داخل السجون، ولا تهدموا قلعتي الرملية بقولكم أنه لا يقصد «شباب السنوات»، وإنما «شباب العقول»، يا ليت هذا، فمال هذا الرجل يتحدث عن الأموات أيضًا!

No comments: