Wednesday, June 22, 2011

ق.ث 2


ق.ث 2
 
لأن التاريخ يعيد نفسه، فثورة 2011 قريبة النسب من ثورة 1919، يكفي أن كليهما كانا لا قائد لهما، وإنما محرّك ما لم يسهم بدورٍ مؤثر حقًا في دورة الأحداث، فسعد زغلول لم تصل له أخبار الثورة في منفاه ولم يعلم بها في وقتها وإنما كان الحس الشعبي عاليًا للغاية، ووائل غنيم اعتقل في بداية الثورة وأُفرج عنه لأنه الشرطة أكتشفت أنه ليس الرأس المدبر وراء هذه المظاهرات، وأن التحركات فاقت توقعاته هو شخصيًا بكثير جدًا، وفي هذا الكلام الذي قاله مؤرخ الحركة القومية في مصر الأستاذ الكبير (عبد الرحمن الرافعي) مصداق ذلك، فلو بدلت وغيرت بعض المسميات والأحداث والتواريخ، ستجد أننا مررنا بهذه الخطوات تمامًا ..

يقول الأستاذ المؤرخ عبد الرحمن الرافعي، في مذكراته ..

عادت بي الذكرى إلى مظاهرات اشتركت فيها، وأخرى شهدتها منذ سنة 1908، مظاهرة طلبة الحقوق سنة 1908 لمناسبة عرض جيش الاحتلال في ميدان عابدين، وموكب الذكرى الأولى لوفاة مصطفى كامل، ومظاهرات الاحتجاج على تقييد حرية الصحافة وإعادة قانون المطبوعات في مارس 1909، ومظاهرات المعارضة في مشروع مد امتياز قناة السويس 1910، ومظاهرات الاحتجاج على الكولونيل تيودور رزوفلت الرئيس الأسبق للولايات المتحدة لمناسبة خطبته في مناصرة الاحتلال في ديسمبر 1910، ومظاهرات المطالبة بالدستور 1911، ومواكب الذكرى السنوية لوفاة مصطفى كامل، وغير ذلك من المظاهرات الوطنية ..

وأخذتُ أقارن بينا وبين مظاهرات سنة 1919، فرأيت أن غرس الوطنية قد نما واشتد على تعاقب السنين، إذ أن مظاهرات سنة 1919 وإن كانت استمرارًا لمظاهرات السنين السابقة، إلا أنها في مجموعها أضخم منها وأكثر جموعًا وجنودًا، ولم تقتصر على العاصمة، بل عمت مدن الوادي وقراه، وبدا لي فيها أن روح التضحية والفداء قد تغلغلت في نفوس الشعب أكثر مما كانت من قبل، وكان هذا دليلا على تطور الروح الوطنية واتساع مداها ..

وكان الذين يسيئون الظن في وطنية هذه الأمة يعتقدون أن الإرهاب كفيل بإخماد الحركة في مهدها، وأخذوا في صحفهم المناصرة للاحتلال يزجون إلى الشباب نصائح معكوسة، بحثّهم على الخضوع والاستسلام، تحت ستار الإشفاق على مستقبلهم، ولكن هذه الظنون قد تلاشت أمام استمرار الاضراب واتساع المظاهرات، واستمرارها في الأيام التالية، بالرغم من أن السلطة العسكرية قد تصدت لها بإطلاق النار على المتظاهرين منذ يوم 10 مارس، فلم يرهب الناس القتل، وأخذوا يألفون رؤية الدم المسفوك في الشوارع، وتقبل الشعب، شبابه وسائر طبقاته: التضحية، بلا خوف ولا تراجع، فكان لهذه التضحية وهاذا الإجماع الرئع أثرهما في رفع صوت مصر عاليًا مدويًا في أرجاء العالم، بعد أن كان خافتًا طيلة سني الحرب، وأخذت الصحف التي كانت تماليء الاحتلال وتزدري بالأمة طوال السنين، تغيّر أسلوبها وتتملق الشعب، وتكتب عنه وعن مطالبه الوطنية بلهجة جديدة، ملؤها التقدير والإعجاب ..


لا أريد أن أكون تشائميًا الآن ولكن فيما بعد ذلك، كان الأمر كارثيًا على البلاد!، وتعطل الدستور وتدمرت الحياة النيابية وكان الوفد ديكتاتوريًا في الحكم إلى درجة غير معقولة، وسعد زغلول رمز الثورة وأيقونتها لم يكن بمثل هذه المثالية التي أعطاها له الشعب منذ عام 1919 إلى وفاته، وإنما كان بشرًا كالآخرين ذا أخطاء هائلة!

ولكن ما لا جدال فيه، أن الفترة القادمة في تاريخ مصر ستكون من أخصب فترات تاريخها الحديث، مثلما كانت من قبل في منتصف القرن الماضي، سيعيد التاريخ دورته ولكن بشكل مطوّر، فما أهنأنا!، لن يفوتنا شيء هذه المرة!

No comments: