Wednesday, June 1, 2011

مجد اللآلي




سأل قارئٌ توفيقَ الحكيم عام 1948:

لماذا انقطعتم عن نشر الكتب!، هه!، أين كتبتكم!، خصوصًا أنت والأستاذ المازني؟، أهو الكسل؟!، أهذه خاتمة مطافكم؟!، أنستطيع أن نودعكم في ذمة الله والتاريخ!!

• •

وكان توفيق الحكيم حينئذ في الخمسين من عمره، وكان ما يزال له من أجله أربعين عامًا ملأهم فنًا وأدبًا وحياة!، فكان رده أنه لفت نظر السائل إلى الأمم الأخرى وأدباء العالم، فأنه سيجد عند مراجعة فهارس الكتب هناك (فترات صمت) بين كتاب وكتاب قد تصر إلى سبعة أعوامٍ وأكثر!، (فلا يعجب هناك أحد لهذا الانقطاع فينهض ويولول وينحب ويلحق هؤاتء الأدباء بالأموات ويستنزل عليهم الرحمات!)،  ثم يلتف توفيق الحكيم  تللشاب السائل ويقول له:

(هم هناك يعلمون أن الفن ليس عملا منتظمًا يستطاع انتاجه بالتحديد والدقة في كل عام، .. وهم يعلمون هناك أن الفنان ليس آلة تسير دائمًا إلى الأمام، فآخر عملٍ لشكسبير ليس هو خير أعماله)




أما المازني، فقد توفى في العام التالي لسؤال شاب 1948، ولعله لم يقرأ في مرضه الأخير تسائل الشاب المعاتب في غضب، ولكنه قد أجاب على السؤال قبل أن يسأله شاب 48 بأكثر من عشرين عامًا في كتاب له!، فقال عن نفسه:

(مضت شهور لم أكتب فيها كلمة في الأدب، لأنني كنت أقرأ!

والقراءة والكتابة عندي نقيضان!، وقد كنت – وما زلت – أمرءًا يتعذر عليه، ولا يتأتّى له أن يجمع بينهما في فترة واحدة، ولكم أطلت الفكرة في ذلك فلم يفتح الله عليَّ بتعليل يستريح إليه العقل ويأنس له القلب، وما أظن بي إلا أن الله، جلّت قدرته، قد خلقني على طراز (عربات الرشّ)!، التي تتخذها مصلحة التنظيم – خزان ضخم يمتلئ ليفرغ، ويفرغ ليمتلئ!

وكذلك أنا فيما أرى: أحس الفراغ في رأسي، وما أكثر ما أحس ذلك!، فأسرع إلى الكتب ألتهم ما فيها وأحشو بها دماغي هذا الذي خلقه الله لي خلقة عربات الرش كما قلت!، حتى إذا شعرت بالكظّة، وضايقني الامتلاء، رفعتُ يدي عن ألوان هذا الغذاء وقمتُ عنه متثاقلا متثائبًا مشفقًا من التخمة، فلا ينجيني إلا أن أفتح الثقوب وأسحُّ!!، وهكذا دواليك!

ولكم قلتُ لنفسي: أهذا الذي ركبه الله لك يا مازني بين كتفيك: رأس كرؤوس الناس أم معدة أخرى!)

• •

حسنًا!، مات الجميع فيما أظن حتى ذلك السائل المشاغب!، وأختفت مصلحة التنظيم وعربيات الرش من شوارع القاهرة، وأصبح الكتّاب الآن لا يجدون وقتًا للتخزين أو انتظار الامتلاء لـ(يسحّوا)!، وإنما يحدث الحادث في لحظةٍ في أي من أرجاء المعمورة، لتجد الجرائد في اليوم التالي تتناول الحادث على الصفحات الأولى كـ خبر حيادي، وفي نفس الوقت تجده كمقالٍ شخصي لكاتب ما، كيف ومتى استوعبه وهضمه كاتب المقال!، لا أدري!

• •

حسنًا مرةً أخرى!، سألوا كاتب مقالات يومي: لو فرغ العالم من الأخبار كافة ليوم الغد!، ماذا ستفعل!
قال ببساطة: سأجد الوقت لأعيد كتابة ما كتبته عن أخبار البارحة بشكلٍ أكثر عمقًا وتحليلا!

• •

"
ألديكِ أيُّ جريدةٍ ..
ما همَّ ما تاريخُها ..
كلُّ الجرائدِ ما بها شيءٌ جديد!

                                -  نزار

• •

حسنًا!، مرةً أخيرة، العنوان من بيت لعبد الله الأخطل ، يختزل الكثير – كعادة الأبيات الشعرية الخالدة التي تضع التلال والجبال والأنهار في بيتٍ واحدٍ، قال عبد الله:


عُمْرُ اللآلي في البحارِ، سُدىً ..
مَجْدُ اللآلي النَحْرُ والجِيدُ

اطرح اللآلي – أعلم أن هذا عسير فمَن سيفرط في لؤلؤةٍ واحدة! – وضع لفظة (الأفكار) بدلاً منها، الآن هذا هو معنى البيت كما آراه، وإن لم يره عبد الله هكذا!، مجدُ الأفكار عندما تخرج من عُلبة الجمجمة هذه وتتحول إلى كلمات تُقرأ!
                          

• •

ثرثرة ..

لم أكتب شيئًا قط إلا وعند نهايته تسائلت ماذا أريد القول!، بينما من المنطق أن أسأل نفسي هذا السؤال تمامًا ولكن قبل أن أبدأ الكتابة ..

هذا فقط يحدث ويحدث ويحدث!

1 comment:

Rehab said...

عود أحمد :D
و لا أعرف أهى مصادفة أن تكتب فى أول أيا م حملة تدوين شهر يونيو أم عن قصد؟..
و أتمنى الثانية :D