Monday, June 13, 2011

تأخير






ضبابٌ فلا أرى شيئًا، وأعمل عامدًا كل صباحٍ - منذ أسبوعين - على أن اتأخر لأكثر من نصف ساعةٍ بدقائق عن ميعاد بدء العمل، ولا أدري لذلك سببًا، أو لعل الأمر كما كانت تقول أمي في مواقف شبيهة أنها (رغبة في العناد والسلام!)، فأدخل ويقابلني أول ما يقابلني فرد الأمن، ويعقّب: كل يومٍ؟، فأجيب: نعم!، ولا نزيد على ذلك!
                      
فأصعد، ويقابلني مسئول قسم الموارد البشرية، ويقول لي كما اعتاد على ذلك منذ أسبوعين: ولن تكتب إذن تأخير هذا اليوم أيضًا، فأجيب: لا يهم الآن!، ولا يزيد كلانا على ذلك!

فأتجه إلى غرفة المكتب، فأجد أحدهم قد أنتهى من كتابة إلتماس لمدير الإدارة في الفرع الرئيسي كي يوافق على تعديل ساعة مجيئي، فأرفض بطبيعة الحال واصطنع الغضب لأنه رأى فيما أفعله شيئًا شاذًا غريبًا بينما أراه أنا طبيعيًا إلى أقصى درجة، مادمت أنهي كمية العمل ذاتها خلال اليوم الذي أتأخر فيه!

ثم قبل أن يقترب اليوم من نهايته بقليل، يدخل مسئول قسم آخر في الشركة، ويبادرني بالقول: منذ أيام وأنت لست أنت!، فأجيب في جدال: بل أنا أنا!، فيقول: لم أقصد هذا وإنما .. هل ثمة شيء!، فأجيب: أفهم قصدك ولكن لم يحدث شيء!، فيسألني أسخف سؤالٍ على وجه الأرض: إذن أنت تحب!، فأجيب دون رغبة: ليس هذا!، فيستمر: إذن أنت زعلان منّي؟!، فأجيب في يأس: لا .. واللهِ!

وعند نهاية اليوم في لحظات الخروج الأخيرة، يقترب مني زميل، ويقول: لأجل خاطري تعال بكرة مبكرًا!

 ما هذه الرغبة السوداء والغمامة المعتّمة التي تظللني هذه الأيام، ليس هذا باكتئاب لأنني عرفته من قبل مرارًا وهو ليس بهو!، وهو ليس عندًا لأن ليس ثمّة شيء أريد إثباته لنفسي!، وليس حبًا في الاهتمام لأنني أكره جدًا أن أكون في وضع يلفت انتباه أحد من حولي، فأحاول التفكير في السبب بيني وبين نفسي، فلا أجد بداخلي إلا صورتي وأنا أفكّر!، فيمّ أفكّر؟!، الإجابة: في إنني أفكر!، كمَن ينظر في المرآه وليس في باله شيء إلا إنه الآن ينظر في المرآه!!

فرددت هذه الأبيات المأثورة لنفسي كي تخرجني من حالة الجدب، ولكي تشغلني عن هذا الشيء الذي أجهله الآخذ بعنقي:

نادى المنادي وقد أوفى على جبلٍ
يا مَن رأى الشمس؟، إن الليل محتكمُ

غابتْ، فهل مِن ضياءٍ نستدلُّ به
على الضياءِ؟، فقد حاقتْ بنا الظُلُمُ

كانت كما حدثونا منظرًا عجبًا
يا سامعي الصوت: أين اليومَ ما زعموا
؟

فما وعى قوله شيخٌ ولا حدثٌ
كأنما نابهم في الظلمةِ الصممُ

وصاح من خلفهم داعٍ يقولُ لهم:
ما ضاعت الشمسَ، لكنَّ الأنامَ عموا

!


 هيا الآن، وإلى لقاء آخر أسعد حالا! .. ربما

No comments: