Wednesday, June 15, 2011

فريقان





فريقان!، وقائد الفريق الأول، أستاذنا عباس العقاد، فلابد أن يأتي على البال عند قراءة كتبه فكرة أنه قارئٌ كبير، فهو يطوف بي ويسرد الاسماء والمؤلفات والمراجع التي تتحدث فيما يتصل بالموضوع الذي يتناوله، وترّن في أذني إيقاعات عشرات الأسماء المعروفة والمجهولة في دوامة واسعة ..

فـ(القارئ) يبرز هنا كثيرًا جدًا، فلا أستطيع أن أفصل بين قراءات العقاد وبين كتاباته، إلا بين أحايين وأحايين، عندما يربط العقاد بين كل الفقرات السابقة -  التي يوردها من الكُتب التي قرأها - وبين المغزى النهائي الذي يريد قوله ..

ومن أعضاء فريق القرّاء، أحمد تيمور، صاحب أشهر مكتبة في عصرنا الحديث، التي انتقلت إلى دار الكتب المصرية تحت اسم (المكتبة التيمورية)، وأنيس منصور، وبورخيس

ومن الروابط الرئيسة التي تجمع أعضاء الفريق الأول هي حبهم للتحدث عن الكتب، أو كتبهم الخاصة بالأحرى، فالعقاد تحدث عن مكتبته ومكوناتها وأجناس الكتب الغالبة عليها وعن ترتيب المكتبة وعن أسلوبه في القراءة وعاداته خلالها، وأحمد تيمور في كتابه الصغير (أعيان القرن الرابع عشر) نشعر بانطلاق قلمه وحماسه عندما يتحدث عن مكتبات الشخصيات التي يترجم حياتها، ويستغرق في وصفها، وأنيس منصور لا يفوّت فرصة للحديث عن عشقه للقراءة منذ الصغر، وكَم مرةٍ تحدث عن مكتبته ورحلات جلبه للكتب الجديدة، عن تبرعاته بعدة آلاف من كتبه إلى المكتبات والجامعات كل فترة، وعن عشرات الصور التي يكون فيها بجوار الكتب، والعقاد أيضًا في هذه الناحية، توجد صور لا حصر لها وهو محاطٌ بالكتب، وبورخيس له حبه القديم بالكتب، فهو دائم ذكرها في أشعاره، وهو القائل:

إنني أتخيل الفردوس شيئًا شبيهًا بالمكتبة

والقائل: 

لا أستطيع النوم إلا وأنا محاطٌ بالكتب!

ويكفيه أنه مؤلف مكتبة بابل، التي لا تخطر فكرتها إلا على عاشق متبتل في محراب الكتب!

ونقطة للتفرقة بين فريق القرّاء، وبين المدّعيين، وهي بخلاف الأسلوب والطابع الأصيل الذي يطبع كل الأوراق بطابعه الخاص الموحّد، فهذه النقطة هي (روح العالم المتواضع) الذي لا يأنف من ذكر موارده، ولا يكرر مثلما يكرر المدعيون عبارت:

 وقال أحدهم ..
وقرأت ..
وقال أحد مشاهير الكتّاب الألمان ..
وقال العلماء ..
وهناك هذه العبارة التي يقولونها عند التحدث عنه ..

فهذه الأقوال الغير مُسندة تزكمك من ورائها رائحة الغرور وإدّعاء الثقافة، وهي رائحة لا تطاق!

••

بينما من الفريق الآخر: توفيق الحكيم، طه حسين، نزار قباني، حافظ إبراهيم، خليل مطران، أحمد شوقي وباكثير وكثير جدا من الشعراء وكتّاب الرواية والمسرحية، وهم فريق مخادع، ستجد منهم من يدمن القراءة إدمانًا يفوق إدمان بعض أعضاء الفريق الأول (فريق القرّاء)، ولكنهم ينجحون على درجات متفاوته في إخفاء هذا العشق، كمَن يذاكر في السر ويبدو أمام أصدقائه بأن الامتحان سيصدمه ويهرسه لا محالة وإنه في طريق الضياع، ليفاجئ الجميع بأن تقديره في الامتحانات يفوق تقديرهم هم، وهم الذين ملئوا السموات السبع شكوى من كثرة ساعات المذاكرة وإنعدام الراحة!

فحافظ إبراهيم، كان دودة كتب في نشأته الأولى، ونظره أوشك أن ينطفأ من قراءته لمئات المجلدات الصفراء القديمة التي كان يجلبها برخص التراب من باعة الكتب، ومن آثار دودة القراءة التي تعوّدت القراءة منذ دهور، شهادة أصدقائه بأنه كان (يقلّب) صفحات الكتاب في يده قليلا، ثم ما يلبث أن يستظهر أغلبه من الذاكرة!

ونزار قباني، كان بيتوتي، يحب البيت كثيرًا، ويحب شغل أوقات فراغه في القراءة، ولو أتيح لأحدكم الوقت في تتبّع مردافات القراءة والكتب والتاريخ في شعر نزار، لخرج بالكثير الرائع الذي يدل أنه قارئ قبل أن يكون شاعرا، مع أنه لا يبدو ذلك عليه عند النظر إلى أعماله نظرةً عامة، قد تجعلك تقول أنه شاب أضاع حياته بين الغانيات، بينما في الحقيقة أن عشقه للكتب كبيرٌ كعشقه للنساء!

ونلاحظ في هذا الفريق أن أكثرهم من أصحاب الخيال البديع، فخيالهم وعاطفتهم تطغي على جانب العقل كثيرًا، فتجد من الفريق الأول الفلاسفة والمفكرين ومحللين، بينما تجد من أعضاء الفريق الثاني الشعراء والروائيين وأدباء المسرح.

وتتجلى مراوغة الفريق الثاني في أنني أتفاجئ به وهو يتحدث أحيانًا عن الكتب ومؤلفيها، فتعتريني الدهشة البالغة، فكيف لأمثال المُلهمين هؤلاء أن يهبطوا إلى عالم المادة ويتحدثوا عن الكتب المادية!!، ثم أقول: لعل الأمر يكمن كله في كتابٍ أو أثنين وقع بين أيديهم صدفةً في الزمان الأولِ، وأنهم لا يقرأون حقًا، وإنما هم دائمًا في حالة إبداع!

وأيّ من الفريقين أشجع!، ما هذا السؤال!!، إنني أشجّع اللعبة الحلوة بالتأكيد
!
:)

No comments: