Monday, June 27, 2011

تقصير


صباح اليوم قابلت زميل من أيام الدراسة صدفةً في المترو، وبعد الترحيب، قال وهل تزوج فلان وعلان بعدُ، وفلان وعلان وأمثالهما من أصدقائي منذ المدرسة، فقلت: لا، فقال: وفلان أمتأكد أنه لم يخطب أحداهن بعد!، قلت: نعم متأكد! لم يصبه الدور!، قال: غريب! توقعت العكس!، - ليه؟، - كده!، - طيّب وأنت؟!، - أشتغل من ثلاث سنوات ولم أكوّن شيئًا بعد، وأنت متأكد أن فلان لم يخطب مثلا ولم يتم الأمر!، قلت: لا!

حسنًا، إضاءة!، فلان هذه من أصحاب اليسار والغنى، وزميل مقابلة المترو تشغل باله حاليًا كما هو بديهي، حكاية الزواج، ويشعر بالتعجب لأن المال في حالة فلان لم يحلّ الوضع وهو يمثاله في السن!، بل ربما الآن يظن أنني كذبت لكي لا أزيد آلامه وجعًا!

قال: هذه محطتي، سأنزل هنا!
قلت: دعنا نراك!
قال: إيه!، كم سنةٍ مرت!

••

نشرت جريدة الشرق الأوسط موضوعًا تأبينيًا في رثاء الإمام الحافظ رامز باشتيتش، أحد مشايخ البوسنة الأجلاء، أحببت هذه المأثرة التي قالها صديقه:

لم يتقبل أي هدية مادية في حياته إلا إذا كانت كتابًا

رحمه الله
!

 ••

وفي كتاب اليوم قرأت فيه فقرة أخرى، كان الكاتب يتحدث عن المساواة بين المرأة والرجل، وكان من رأيه رفض هذا الأساس تمامًا، وأورد مناقشة بينه وبينه إحداهن، قال في نهايتها ..

لم أجد بدًا عند ذلك من اللجوء إلى حجة مفحمة دأبت على أن أختم بها كل جدال في هذا الموضوع!، إنها حجة لم أقرأها في كتاب، ولا قال بها عالم أنتروبولوجي، أو بيولوجي، بل كانت حكمة كتبها في ذات مرة دكّاني بسيط على باب حانوته الذي كان قائمًا منذ نحو أربعين عامًا، ومنطوق هذه الحكمة كان ما يلي:
لا يمكن للمراة أن تتساوي والرجل، فرجل واحد يستطيع أن يأتي بألف ولد من ألف امرأةٍ، وامرأة واحدة لا تستطيع أن تأتي من ألف رجل، بغير ولد واحد!

والكتاب عبارة عن محاضرات مجمّعة للمؤلف، لذلك فقد قال ما سبق، ثم أردف حكمته بالاعتذار للحضور إن وجد بها شيئًا من الابتذال!

وفي ذات المحاضرة أيضًا، وقبل عدة أسطر، قال:
تأملي يا سيدتي!، أنا أطول منكِ قامة وأضخم عضلاتٍ وأخشن بشرة وجه، هكذا خلقني الله، ومع ذلك فإني أمارس في الظل والهدوء عملا لينًا لا يتطلب مني إلا حمل السماعة والاستعانة بمعلومات خزنتها في رأسي من الدراسة، وقراءة الكتب والمجلات الطبية ..
وأنتِ في لين بشرتك ونحافة قدك، ورقة أعصابك، تقفين أمام نار المطبخ نصف اليوم، وتقطّعين وتقشرين، حاملةً سكينًا لم تخلق لها أناملك الناحلة ..
الوضع الصحيح هو أن تكوني أنتِ الطيب، وأكون أنا الطباخ، إذا لم تكن مهمتي حمل الأثقال أو تكسير الحجارة.

فلم تقتنع السيدة بهذه الحجة، ومعها حق!، ولذلك اضطر الطبيب المؤلف إلى الاستعانة بحكمة الدكّاني التي كتبها منذ أربعين عامًا!

••

أشعر بالتقصير، أتذكر كثير من ملامح الوفاء التي مارسها قلة من أصدقائي المخلصين نحوي، أعيد دائمًا التأمل في قمة وفائهم وإخلاصهم، وأتعجب لنفسي!، لم أرد جميلهم إلى الآن، ولو بكلمة امتنان!، كأنهم كان لابد أن يقوموا بذلك!، أفق!، - أي أنا - فمَن لا يشكر الناس لا يشكر الله!

No comments: