Thursday, June 21, 2012

أبواب جهنم في يونيو تنفتح رسمي





قال عباسُ قولا جميلا قرأته صباحَ اليوم، قال إنه حيثما وجدَ شيءٌ يسمّى «أمة»، فلابد هناك من شيءٍ يسمّى «مصلحة الأمة»!، وإن كان أبناء الأمة يعبثون بمصلحتها كلما عنت لهم فائدة قريبة، فلا علامة إذن على وجود الأمة قط!، وإنما هم آحاد مبعثرون وجسم مفكك لا تدب في عروقه روح مؤلفة، ولا تشده بنية موصولة، ولا تعمل أعضاؤه بإرادة واحدة!، وقال كما أن الرأس إذا أصابته ضربة مؤلمة ارتفعت اليد إليه من تلقاء نفسها لتحمل عنه ألم الضربة، فكذلك يجب أن تكون الأمة، يجب أن تنغرس في كل فرد من أفرادها غريزة تدعوه إلى تقديم نفسه لاحتمال الأذى متى تعرضت مقاتل الأمة لخطر من الأخطر، وقالَ: ولهذا تكثر الأريحيّة والمفاداة بالمآرب الخاصة في الأمم الحية القوية، وتكثر الخيانة والجشع وعبادة المنافع في أيام انحلال الدول وتدهورها، وقالَ أن من علامات موت روح الأمة فينا أو إشرافها على الهلاك، هو سخريتنا من الحق، وهزؤنا بالضمير، وتهكمنا على العدل، وتقصيرنا في الواجب، لأن الميت لا يأسي على الجراح، والغريق لا يحذر البلل!


••


لندع هذا القول جانبًا، فخلال قراءته ذهبتُ إلى معنى آخر  تداعى إليَّ على أثر هذه الكلمات السابقة، وقلتُ أنني لا أتذكر - في المجمل -أن أمة ثارت على مليكها ونظام حكمها مادام كان يقوم بالغزوات والحروب والصوائف لتأمين أركان مملكته ولمجاهدة الأعداء،حتى لو كان الملك ظالمًا!، لأن في تاريخ الأمم قصة عن ملك اغتصب العرش غصبًا، وصار هو الحاكم الفعلي بعد أن صيّر الملك الشرعي دميةً في يده يحركها كيفَ شاء وسلب جميع صلاحياته ووضعها في يديه!، وكان الشعب يدرك صنيعه تمامًا، ولكن لم يثر ضده مرة واحدة، لأنه كان يقود الجيش بنفسه إلى أقاصي بلاده ويعود به ظافرًا، إلى أن مات هذا الملك الغاصب وأتى ابنه الذي ورث عن أبيه هذه «الدميةَ» الشرعية، ولكن ابنه استكان إلى الراحة والقعود عن الغزو إلا نادرًا، فتمكن الشعب منه وثارَ عليه وخلعه!


لماذا؟


ألم يقل عباسنا:  حيثما وجدَ شيءٌ يسمّى «أمة»، فلابد هناك من شيءٍ يسمّى «مصلحة الأمة»!؛ كلام طيّب، متى كنا نشعر بروح الأمة خلال السنوات القليلة السابقة!، في مباريات الكرة الدولية، وفي المسابقات الغنائية والشعرية العربية، وفي أشياءٍ هي في قرارة ذاتها لا تمثل روح الامة تمثيلا حقيقيًا، فلا هدف سامٍ منها!، ولكنها كانت المناسبات المتفردة القليلة التي نشعر فيها بأننا جزء من أمة حيّة!


في قصة الملك الغاصب، فأن غزواته وشجاعته ومنظر الجيش الظافر الغانم كفيل بإنعاش روح الأمة في أراوح ساكنيها، ليدركوا أنهم بضعة من جسد أمة قوي، لا يفكّر عاقل في الإجهاز عليه!، وعندما استخلف الابن، وسار بغير سيرة أبيه - وإن كان عهده القصير عهد زاهٍ اقتصاديًا كبقايا مما تركه أبيه وأسسه - حتى أوشكت الأمة على الفناء، ولكن أهلها وجدوا مناسبةً أخرى لبث الروح في الجسد المحتضر، وكانت الثورة هي خيارهم الصائب ليشعروا مرة ثانية بأنهم أمة واحدة لها روح وهدف واحد!


ولكن هذه الثورات تكون غالبًا بلا عقل ومحدودة المدى، لأن الطريق الأول الذي ينطلق من رأس الأمة إلى أطرافها، هو الوضع الطبيعي، مثلما أن الزواج هو الطريق الأول والوضع الطبيعي للإنسان، بينما طريق مجاهدة النفس والتعفف والصوم طريق شاق طويل يتساقط الكثير أثناء الخوض فيه.


••


قرأت اليوم كذلك بيتًا عبقريا لبيرم التونسي، قالَ (عنهم):


هم يأخذون نفيسَ الشيءِ إن طلبوا
وإن همو وَهبوا .. أعطوكَ خازوقا


 ••


© الصورة لبيرم التونسي


No comments: