Sunday, June 24, 2012

حقوقٌ وواجبات






أحتاج إلى فلتر يعزل أصوات الفرح وأصداء الانتشاء من ورائي لأتمكن من الكتابة!، وفي هذه المواقف يزيد تقديري لشخصية عنترة بن شداد، كيف تمكّن هذا المقاتل وهو وسط الدماء والأشلاء وبين احتياطه ومراقبته سيوفَ ورماح الأعادي كيلا تغتاله وتصيب منه مقتلا، ثم يهبط شيءٌ ما عليه ويعزل هذه الأصوات والأصداء جميعًا، ليتذكر عبلة، ويقول بيتيه الخالديْن:


ولقد ذكرتـك والرمـاح نواهـلٌ
مني، وبيض الهند تقطر من دمي

فوددتُ تقبيـل السيـوف لأنهـا
لمعت كبـارق ثغـرك المتبسمِ


وقال نجيب الريحاني في مذكراته البديعة أنه في عام 1913 قابل قارئة كف، وكان حينها موظفًا بسيطًا في شركة السكر، ولم يكن أمامه ما يبشر بصلاح الأحوال أو تبدل الأيام، كما يقول، ولكن قال أن العرّافة قالت له عندما رأت يديه، أن حياته عبارة عن ضجة صاخبة، وأن أموالا كثيرة ستتداولها يدي، وأنني سأنتقل من فقرٍ إلى غنى، ومن غنى إلى فقر، ثم يعود الغنى، ثم .. ؛ وهنا انقطع سيل الراوية وقال الريحاني بقلمه الساخر:


وهنا خانتني الذاكرة بكل أسف، إذ لستُ أعي تمامًا ما انتهى إليه تنبؤها، وهل أوصلتني في أخرياتي إلى هضاب الفقر المدقع، أم إلى وديان الثراء الممتع؟
ثم أنني رحتُ أجول بالذاكرة في تأويل هذه التنبؤات، فأما الفقر .. فهذا شيءٌ متوفرٌ والحمد لله الذي لا يحمد على مكروهٍ سواه، وأما الغنى .. فمن أين يأتيني يا ترى؟


ونحن كم فرحنا وكم مرةٍ امتلأت أيادينا ذهبًا، ملأت الفرحة يديْنا ذهبًا يومَ التنحي، ثم أقفرَتْ!، ثم ملأتهما مرةً أخرى يومَ عزل شفيق وتولية شرف، ثم أقفرَت، ثم ملأتهما مرة أخرى يوم مشاهدته وراء القضبان، ثم أقفرت!، ثم ملأتهما مرة أخرى يوم العرس الانتخابي، ثم أقفرت، ثم ملأتهما ذهبًا مرة أخرى هذا اليوم!، وهل ستستمر الدائرة؟، نعم!، نعم!، نعم!، هكذا سُنة الحياة وقانونها الأول، وتلك الأيام نداولها بين الناس، أما نحن أبناء هذا العصر، وهذا الزمن، وهذا المكان، فلا ندري مثلما لم يتذكر نجيب الريحاني هل سنمضي وأيادينا ممتلئة أم فارغة، لا نعلم!، ولكن نجيب الريحاني لم يتوقف عن العمل والفن حتى آخر لحظاته، هل شاهدتم غزلَ البنات؟!


••


أحبكِ في زمنِ النصرِ ..
إن الهوَى لا يعيشُ طويلاً ..
بظلِّ الهزيمة


No comments: