Sunday, July 1, 2012

الأشارب





كُتِبَ أسفلَ عنون القصيدة:

في وهج الشمس، وعند الحدود الأمامية في قطاع غزة، لم يتحمّل الشاعر الحرَّ، فدفعتْ إليه شاعرة كريمة إليه بأشاربها، فاتقى به الشمسَ، ثم أعاده إليها مع بطاقة تحمل هذه الأبيات


 


لم يُذكر التاريخ، ولكن ربما حدثت هذه الحادثة في خمسينات القرن السابق، وإن كان هذا فالشاعر صاحب الديوان كان قد تجاوز الخمسين بقليل، ولم يكن الأشارب بالتأكيد كما نعرفه الآن في طريقة ارتدائه، وإنما كان كما نقلتها لنا الأفلام، التي هي تاريخنا المصوَّر، كان كوشاح للزينة


 



إذن كان شاعرنا واقفًا على الحدود حيث الصحراء والشمس، ورأته «الشاعرة الكريمة»، فتقديرًا لمكانته الأدبية المرموقة حينذاك ناولته أشاربها ليتقي به الشمسَ، ولا أدري بأية طريقة وضعه شاعرنا على رأسه، وهل أمسك بطرفه وحسب أمام جبينه، لا أدري!، ولا أدري هل كانت «الشاعرة الكريمة» مرتديةً نظّارة شمسية كبيرة، مما كانت عليه الموضة وقتذاك أيضًا أم لا!، ولا أفترض هذا الافتراض لأبرر به تنازلها عن الأشارب له، وإنما لأبرر قبوله لهذه اللفتة الكريمة منها وهي الأنثى


 



وأعادَ شاعرنا إليها الأشارب مع بطاقة تحمل الأبيات الثلاثة، ولا أدري هل استحيَ أن ينشدها أبياته، بالتأكيد كانا في جمعٍ من الناس، والهدف الأسمى لهذا التجمع لا يسمح بالغزل والتغزل




أو ربما ضنَّ أن تضيع أبياته في الهواء، والهواء أقل «الكائنات» وفاءً وأكثرهم تقلّبًا، فكتبَ البطاقة كهدية باقيةٍ خالدة!، ثم أن الديوان يذكر في إثر هذه الأبيات الثلاثة، بأن الشاعرة ردّت عليه ببطاقة تحمل أبيات ثلاثة أخرى!، ولا أدري ولم يذكروا، هل كان هذا الرد في ذات الموقف الواحد وهما على الحدود حيث الشمس والحر، أم أرسلت هذه البطاقة أثناء طريق العودة إلى القاهرة على سبيل المثال، فربما كانا معًا في وسيلة مواصلات واحدة!، أم بعدما عادت إلى مدينتها فأرسلت ردّها بالبريد!

 



أميلُ إلى الاحتمال الثاني، فالبداهة تقضي أنه أعاد أشاربها إليها بعد قضاء الحاجة، وهي الوقوف في حر الشمس اللاهبة، والذوق والشاعرية تقضي بأنها أجابته فور تسلمها البطاقة، فتأخر الرد يعتبر في نظر الشاعر عجزًا وعيًّا لا يليق بشعره!، إذن أثناء العودة، وربما قرأ شاعرنا أبياتها وهي أمامه، مَن يدري!، لعله ابتسم!



 




قالت بطاقته:



قل للأشارب إذا أطفتْ بشَعرها
وهويتُ بعدُ لنحرها ولصدرها

فاسكبْ لها شكري!، ألستَ بسرّها
رفّهت من وهجِ السماءِ وحَرّها

وكرمتَ حين نممتَ لي عن عطرها
أسرقتَه من نَشْرِها أو شَعرِها؟



وكان الردّ منها:


قل يا أشارب، أما مررتَ ببحرهِ
ماذا عرفتَ عن المحيطِ وسرّهِ

قد عدتَ لي نشوانَ من دنيا الهوى
فاسقِ الجوانحَ من مُعتّقِ شِعرهِ

وارفق بصدري من توقّد صدرهِ
وارحم فؤادي من تَلهّبِ جمرهِ



 



ذكرتُ منذ سنوات هذا الموقف الشعري على قريبةٍ لي، وقلتُ لها: أيهما أجادَ؟!، قالت بحماس: هي طبعًا!، ولم آخذ قولها باهتمام كبير، لأنني أحب الشاعر !، ولم أرد تفضيل أحد عليه في هذه الفترة!، ولكن، ما أقبح الغلواء!، الإنسان لا يمشي على بساطٍ واحدٍ طوال حياته، سيسيرُ آونةً على الحصى، وآونةٍ على الرمل، وحينًا على الحرير، وحينًا على الأشواك!، فلا مراء في أن «الشاعرة الكريمة» أجادتْ كثيرًا وتناولت بأيديها سماءً لم يطلها شاعرنا، لأنه رأى الأشارب، فجسّده وتخيله عندما لامس شعرها ونحرها وصدرها، وشمّ عطرها، ولم يدر فتسائل أهو عطر ورائحة شَعرها أو هو رائحة جسمها، التي هي النَشْر، ثم شكرها، وانتهت أبياته، لتقرأها الشاعرة الكريمة بعين الشاعرة، أي بعين الإحساس والروح والنفس، فلا تذكر ما تحدثه الحواس الخمس من شم ولمس ورؤية وسمع وتذوق، جاوزت ذلك ونظرت في الأعماق، ولم تر في رحلة الأشارب إليه سوى أنه أحاط بشخصية عظيمة لها قدرها في عالم الشعر، وأطلّ  - دونها -على هذا العالم الرحب من الشعر، فناشدت الأشارب أن يروي لها ما أحسه مما يعتمل في صدر شاعرنا الكبير من هوى ضارم يلهمه روائع قصائده الخالدة



 



في أبياته الثلاثة، آثار أصابع الحر والشمس وأصوات اللهاث، بينما أبياتها الثلاثة حملت رائحة البحر والخمر والهوى



ومَن غير الشعر في إمكانه جمع هذه الروائع معًا :)


No comments: