Saturday, July 21, 2012

زائل





قالَ: أتى رمضان!، والطريق الذي لا مفرّ من أن تقطعه في الشمس لدقائقٍ عشر قبل الوصول إلى غايتك، سيكون طويلا عليكَ في الحر والصوم، سر واستظل بما تلاقيه!


بدا له الطريق، فسار بعيدًا عن ظلال الأبنية والسيارات، ثم في منتصف الطريق رأى سيارةً طارحةً ظلها الواراف أمامها، تردد، ثم مرَّ خلال الظلال، وقال يخاطب نفسه ليراضيها:

- أنها واقفةٌ في شارعٍ عامٍ لا يملكه صاحبها على أي حال، والظلُّ الذي تفيئته منها بعضٌّ من زكاتها وعوضٌ عن استقطاعها مكانًا ليس لها!


كان كتابه في ظهيرة ذلك اليوم عن العارف بالله بشر بن الحارث الحافي، وفيه سألت أخته الإمامَ أحمد بن حنبل، سؤالا يؤرقها، فقالت:

- إنا قوم نغزل بالليل على سطوحنا، ومعاشنا فيه، وربما تمرّ بنا مشاعل بعض المارة، ونحن على السطح، فيقع شعاع المشاعل علينا، فهل لنا أن نغزل في شعاعها؟


فقال لها الإمام:
- مَن أنتِ؟

قالت:
- أنا أخت بشر

فبكى الإمام حتى أبكى من حوله، وقال لها:
- آهٍ يا آل بشر!، لا عدمتكم!، مِن بيتكم خرجَ الورع!

ثم أجاب مسألتها:
-لا تغزلي في شعاعها!


قرأ هذه الحادثة، ومرّ عليه ما فعله بمروره في الظلّ عند مجيئه!، فداخله شيءٌ طفيف من الندم، إلا أنه حدث نفسه أن القصة مختلفة، وأن رأيه الأول في جواز مروره بالظلّ كان صائبًا


تتابعت عدة صفحات من كتاب العارف بالله بشر الحافي، فسمعَ محمد بن يوسف الجوهري يحدثه بما وقع له مع بشر، إذ يقول:

كنتُ أمشي مع بشر بن الحارث في يومٍ صائف، منصرفًا من الجمعة، فاجتزنا بسور دار إسحاق بن إبراهيم، وله فيءٌ، فجعلتُ أزاحم بشرًا إلى الفيء، وهو يمشي في الشمس، فقلتُ: والله لأسألنه: أمِن الورع أن يمشي الإنسان في الشمس فيضرّ بنفسه!، فقلتُ له:

- يا أبا نصر!، أنا أضطرك إلى الفيء، وأنت تمشي في الشمس!

فقال مجيبًا:

- هذا في سور فلان!


أكثر ما ندم عليه في هذا اليوم، استحلاله ظل سيارة فلان!




No comments: