Saturday, March 19, 2016

المُلك والهوى



عندما ملك هارون الرشيد الدنيا، أتاه رجل من رعيته، وانحنى بين قدميه وقبّل الأرض وهو يقول في انحنائه متذللاً:
المُلك لك يا أمير المؤمنين!

فارتاع هارون الرشيد، وقام من كرسيّ الملك، وساعد الرجل على النهوض وقال له:
المُلْكُ لله وحده!

وجلس بجواره وناداه بيا أخي!، ثم لما ذهب الرجل بعد أن قُضيت له حاجته، اختلى هارون الرشيد بنفسه، وتفكّر في مآل الملك، وتفكّر في الدين والدنيا، وتفكّر في مصير الإنسان، وتفكّر فيما سيأخذه معه إلى القبر بعد وفاته من أبهّة المُلْك، فردّد بصوت مسموع:
المُلْكُ للهِ وَحْدَهْ

ثم لما رأى أن وقعها موسيقيّ على أذنه، كرّرها مرارًا، ثم أمر باستدعاء من بالباب من الشعراء، فدخل عليه جماعة من الشعراء المتجوّلين المتكسّبين بشعرهم، ومنهم الجمّاز البَصْري الشاعر، فأعاد إليهم ما كان يردده، ثم قال لهم:
أجيزو!

فبدر الجمّاز فقال:
وللخليفةِ بعْدَهْ

فأعجب هارون الرشيد بزيادته كثيرًا، ورأى البيت الشعريّ مكتملاً، وطمع في المزيد، فقال له:
زد!

فقال الجمّاز:
وللمُحبِّ إذا ما
حبيبه باتَ عنْدَه

فاستحسن هارون الرشيد بيتيه، وأجازه بعشرة آلاف درهم، ثم في اليوم التالي عندما أتى إليه سائلٌ، وأهوى بين قديمه يقبّل الأرض، وردّد في انحنائه متذللاً:
 المُلك لك يا أمير المؤمنين!

لم ينهض هارون الرشيد من كرسي الملك، وتفكّر منذ هذه المرة في المُلْك والهَوى



مارس
2016


No comments: