Sunday, December 4, 2016

مخطوطات القرآن الكريم


قرأت دراسة قصيرة في 30 صفحة عنوانها "مخطوطات القرآن الكريم"، وصادفتها على موقع للدفاعات اللاهوتية، وليت قومي يعلمون أن مسهّم العنيف للدين الآخر والتشكيك في أسسه وثوابته بهذا الشكل الملحّ، لا يجدي فتيلاً، وكل هذه الصفحات المسوّدة التي تحاول إثبات أن كتابهم المقدس كتاب محرّف عبر التاريخ وأنه حشو جلده متناقضات وتحريفات، لا تجدي فتيلاً هي الأخرى، فصفحات هذه الدراسة جاءت هكذا وبهذا العنوان: «مخطوطات القرآن الكريم» لتقابل دراساتنا الكثير حول موضوعنا الأثير: «تحريف مخطوطات الكتاب المقدّس» و«النص الكامل لمخطوطات نجع حمادي»، و«مخطوطات البحر الميت»، و«أنجيل برنابا»، حتّى، وما هذا إلا ليقول الطرف الثاتي ها هي نفس التهمة التي ترمونها بها قد رميناكم بها كذلك، سواء بسواء!، «مخطوطات القرآن»، والبادي أظلم!!

مع أن القرآن الذي من المفترض بنا أن نتأدب بآدابه، ينهانا حتّى أن نسبّ ملّة القوم الآخر، حتى لا يسبّوا الله (إلهنا) بغير علم!، ولكننا لا نراعي هذا للأسف، مع أن أجدى وسيلة هنا في حوار الطرف الآخر هو إثبات صحّة نبوة نبيّ الإسلام، وأنه لم يكن من الأنبياء الكذبة، وأن كافة التحديّات والشروط التي اشتُرطت في كتابنا المقدس (القرآن) أُثبتت صحتها بغرابة على مدى قرون دون أن تُنقض، أي إن كان هذا النبي ابن عصره، كأي إنسان آخر، فكيف يُتوقّع له بعلوم عصره المحدودة أن تثبت تحدياته التي كتبها في القرآن: طوال هذه القرون دون كسر، هل اطّلع الغيب!، فهي متى ما نُقضت ومتى ما نجح أحد الناس في كسر تحدّي قرآني واحد فستطير هذه الأنباء بكل مكان ومن له عينان للنظر فلينظر!، رغم إنه جرت – صدقًا – ما لا يُحصى من المحاولات لإثبات العكس وفي كل العصور ومختلف الأمم ولمجرد دخول التحدّي حتّى (المفتوح دائمًا!)، ومن الطبيعي أن الله يدعم رسله بالآيات والحجج والبراهين لكي لا يكون للناس على الله حجّة من بعد الرسل!، إي إعمال العقل وكل ما في الوسع والإمكان: واجب!

فإذن متى ما نجح المسلمون في لفت الأنظار – مجرد لفت الأنظار - إلى ثبوت هذه الآيات والحجج والبراهين منذ بداية عهد الإسلام حتى الآن، فكفى بهذا ردًا، وستأخذ الأمور عند ذلك مجراها الطبيعي!، ودون هذا خرط القتاد!

وهذه  الدراسة تفترض شيئًا، وهي ما تكثر منه، أي مقارنة بعض مخطوطات القرآن الكريم، وتقول أنظروا للاختلافات، هنا كان يوجد حرف الألف في وسط الكلمة، وفي هذه المخطوطة الأخرى: اختفى!، أين اختفى!!، وفي هذه المخطوطة توجد كلمات كثيرة ساقطة من النص القرآني على عكس ما هو موجود في النص القرآني الحالي، وفي تلك المخطوطة مكتوب في بداية الآية كلمة "يقسمون" بدلاً من كلمة "يحلفون" المعروفة في المصحف الآن، وفي هذه – يا للهول – استبدلت كلمة "جهنّم" بكلمة "النار" في سياق آية أخرى، أتريدون أي أدلة أخرى أوضح من تلك تدل على تحريف القرآن الكريم؟!


وهذه هي الدراسة ببساطة، مع القليل المعتاد والمكرر عن مسألة الرسم العثماني ذاتها، وللرسم العثماني بالتأكيد حديث آخر، ولكن هذه الدراسة القليلة تناولته بحديث مكرر معاد لأن الذي كان بين يديها هو النسخ القرآنية المختلفة المفترض أنها مرسومة بنفس الخط!، إذن فافتراض وقوع الاختلافات فيها مع عدم وجود النسخة الأمّ يعضد وجود اختلافات في نسخ القرآن وذاعت دون مصدر ضابط!


أو تبعًا لمفهوم أن الله حفظ القرآن من التحريف، فما دام حُرّف كما رأينا في هذه المخطوطات إذن فهو ليس معصوم من التحريف والخطأ والتبديل، وهذه وجهة نظر جميلة صراحة  ..  ولكن ليس في هذا العالم!

وسؤال: هل ذاعت حقًا؟
وسؤال ثان: لماذا يتحدّث وكأنه ليس هناك انتقال شفاهي للقرآن من جيل لجيل؟، حتّى أنه يصحّ في التصوّر دون عناء أن نتصوّر وجود عائلة ممتدة من العميان عاشت في عصر نزول القرآن وتلقّته شفاهيًا ونقلته إلى الجيل التالي فالتالي حتى عصرنا الحديث، هل هذا أمر عسير على التصديق، مع كثرة الشواهد على حفظ العميان للقرآن بأكمله دون أن يروا حرفًا واحدًا مرسومًا منه؟!

أقصد، هل تصّور كاتب هذه الصفحات أن معنى آية الحفظ " إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ"، هل يحسب معناها أنه إذا أراد أحد أن يكتب القرآن بخطّه، فيستحيل عليه أن يقع في الخطأ البشري بسبب النسيان أو التعب أو النعاس أو عدم الحفظ أو السهو، أو أي مسببات أخرى، لأن يد الله ستكون فوق يده طوال هذا الوقت، وهل يتصور كاتب هذه الصفحات إنه حتّى إن تعمّد الكاتب – أي كاتب - أن يخطأ في كتابة الآية، فأن الله سيشلّ يده أو يقبض روحه من فوره قبل أن يخطّ الخطأ في كتاب الله بيده، أو حتى سيجعله يكتب الصواب مهما كان حتى لو كان يريد بسبق الإصرار والتعمّد أن يكتب الخطأ!!، هل هذا تصوّره؟!


إن قال: نعم!، فإذن لما غُلب أحد!!، صراحة، ولأمكن لأي إنسان أن يشهد حدوث المعجزة المادية أمامه، فيحاول أن يحرّف في القرآن بأي طريقة كانت، ليجد نفسه لا يستطيع بقدرة قاهرة مانعه إياه من محاولته للتحريف!، ومتى كان هذا فلا فائدة إذن في إيمان المؤمن بالغيب، ولا في إرسال الأنبياء، ولا في إعمال العقل والتفكّر في خلق الله – كما يدعونا القرآن لذلك مثلاً – فبما إننا نلمس معجزة الحفظ عيانًا وبشكل مادي بحت، فهذا كفيل أن يقضى على كافة أنواع الاختلافات بين البشر!، فلا يتصوّر أن يعاند هؤلاء الناس جميعًا في رفض هذه المعجزة التي تحدث لهم وفيهم، وليس عن طريق النظر أو السماع أو حدوثها مرة واحدة في عصر النبيّ لتتناقلها الأجيال من بعده، والشاهد يبلغ الغالب، لذلك يصحّ هذا التصوّر في عالم آخر!، عالم مثالي!، لا يختلف فيه أحد مع أحد، فإن خرج أحدهم عن الاتفاق سيقولون له: كيف تكفر بمعجزة مادية بيّنه هكذا، لن نناقشك بالحسنى ولا ندعوك للاحتكام للعقل والتفكير، ولن ندعوك للإيمان بغيبيات نؤمن بها، كل هذا لا فائدة منه ويصلح فيه الجدال بالحق وبالباطل على سواء، ولكن حاول فقط أن تكتب هذه الكلمة القرآنية بدون حرف "ألف" في وسطها مثلاً، أو بدّل هذه الكلمة بكلمة أخرى في النص القرآني، جرّب!، وسترى أن يدك ستقع مشلولة إلى جنبك دون أن يقرب إليك أحد!


وهذا الخارج لن يستطيع ولن يملك ردًا يردّ به على صحة هذه المعجزة المادية التي بوسع أي كان أن يجربها!، لن يجدي جدال ولا برهان آخر ولا كلمات مزخرفة، ولا خطب طوال أو قصار، فالمعجزة المادية فوق عنق الجميع!

وإن قال كاتب هذه الصفحات: لا، لا أقصد هذا التصوّر!، إذن فالخطأ البشري وارد جدًا، وسيسقط كل كلامك في هذه الدراسة القصيرة إذن، فالعبرة كل العبرة تكمن في نتيجة هذا الخطأ، هل سيشيع يا ترى؟، فإذا كتبت أنا الآن: "لم يولد ولم يلد"، بدلاً من "لم يلد ولم يولد"، وبعض تبديلات وتحريفات أخرى في القرآن سأختارها اعتباطًا، ثم بات بإمكاني أن أطبع ملايين النسخ من هذا المصحف المحرّف، وأن أدبّر – بواسطة جيش قوي تحت أمرتي – حرائق ضخمة للمساجد ومراكز طبع القرآن والمكتبات العامة والخاصة، وأن أنهب وأسلب المصاحف الأخرى كلها بجيشي القوي المكوّن من قطاع طرق والمرتزقة، ولن أنسى إنشاء جيش مواز من عباقرة الكمبيوتر لأمحى كافة صفحات القرآن على الإنترنت، أو أرسل وحدة لتدمير أجهزة الخادم حول العالم بالصواريخ والقنابل النووية إن لزم الأمر، إن حدث هذا أو بعضه أو نال – لأي سبب آخر – المصحف المحرّف التي كتبته حظ الانتشار بين الناس والقبول، على ما فيه من تحريف، فهذا إذن نقض لآية حفظ القرآن، يستطيع كاتب هذه الصفحات إذن أن يستند إليها، فما دام هناك على سطح الأرض إجماع على رفض التحريف، فالحفظ متحقق، ويد الجماعة هي يد الله!، فمن العبث أن يتمسّك في مخطوطة ما ويقول: أنظروا!، فيها خطأ إملائي يخالف ما هو موجود في المصحف اليوم!، هل كان واعيًا لما يقول؟!، أي مرة أخرى إذا مرّ هذا التحريف في هذه المخطوطات بين الناس، ولم تجد له معترضًا عليه، فهذا نقض لآية الحفظ، فهذا الاعتراض والرفض بمفرده هو معنى من معاني الحفظ، أي بشكل ساخر للغاية، هذه الصفحات التي تحاول إثبات تحريف القرآن بسبب هذه الأخطاء، هي في نفسها أقوى ردّ على أن القرآن محفوظ، أي أن هذا "المصحف" الذي كان تحت يد كاتب هذه الصفحات ليقارن به حدوث التحريفات في النسخ المخطوطة الأخرى، يعدّ في حد ذاته دليلاً على حفظ الله لكتابه، وإلا لما استطاع المقارنة بكل هذه الثقة ورجوعًا منه إلى مصدر واحد مجمع عليه!



ولكننا السبب!، لأن الأدب القرآني يقول:
إلا بالتي هي أحسن!

وأكثرنا الآن يجادل بالأقبح، ولا يخرج القبح إلا قبحًا مثله، وهذا القبح نراه أيضًا في الآية السالفة في: "ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله"، فهذا فعل قبيح، ونتيجته قبيحة مثله: ".. فيسبّوا الله!" .. فهذا شيء، وذاك رد غطاه، ولا مفرّ من تحقّقهما معًا.


No comments: