أرغب في محاولة الكتابة في الحوادث اليومية، والحادث المثير للاهتمام الآن في مصر، هو حادث الإسكندرية، والحادثة في إيجاز: إسلام شاب 25 عاما يعمل على «توك توك» في مدينة الإسكندرية، ومثل الجميع فأن هذه «التكاتك» لا تحمل رخصة سير وتسيير، فيأتي ضابط مرور ما، ويصر على مصادرة «التوك توك» الخاص به لأنه مخالف، فيرفض إسلام ترك «التوك توك» ويسكب على نفسه البنزين مهددا الضابط بعدم الاقتراب، فيقذف الضابط له بولاعة سجائر معلنا أنه لن يجرؤ على ذلك، فيأخذ إسلام الولاعة ويشعلها بالفعل وسط ذهول الجميع، لينتهي الأمر بوفاته محترقًا، ولتندلع بعد ذلك مظاهرات شغب عديدة في منطقة العصافرة بالإسكندرية مع وجود أمني مكثف ساعد على وجود احتقان شديد من السكان ضد رجال الشرطة.
ولكن وسط هذه الأحداث، هناك سؤال كبير وإجابة مترددة تصطدم بكل الاتجاهات .. السؤال هو: مَن المسئول عن ذلك؟!
الإجابة ..
- الضابط!
- لا .. ولماذا وهو قد أراد في الأساس أن يقوم بواجبه الأصلي؟
- أين هذا الواجب وأنت تعلم جيدًا أنه لا يوجد أي «توك توك» مرخص في مصر، ولم تشاهد أي لوحة مرورية على أي منهما.
- نعم!، ولكن إسلام أراد إتباع مبدأ (لماذا أنا فقط؟)، وتوسل للضابط ليتركه في حاله مع أنه يعلم أنه مثلهم مخطأ ..
- إسلام هذا التي تتحدث عنه كان من عائلة فقيرة، وكان متوسط ما يتقاضاه في يومه من حصيلة يوم العمل على «التوك توك» لا تتجاوز العشر جنيهات، فكيف كنت تريده أن يعوّل نفسه وأسرته إذا صادر الضابط آلة عمله وتركه بلا سند؟
- مرة أخرى سأقول أنه من الخطأ أن نلوم ضابط المرور مرارا عندما يتجاهل مخالفات التوك توك الفاضحة، وعندما يقرر أخذ موقف جاد منها، تنفجر ماسورة اللوم بصورة أكثر مأساوية .. فأيهما أفضل .. القضاء على عنصر واحد مخالف على الأقل أم ترك جميع المخالفات بلا أي إجراء
- أنت لم تجب على سؤالي!
- سأجيب بأنه لم يحصل على التوك توك مجانا وسعره عدة آلاف، وكان يستطيع بثمنه الاشتراك في مشروع قانوني آخر إن أراد بدلا من النظر للتوك توك على أنه الآن موضة الربح السريع ..
- ولكن الحكومة أيضًا تضع العراقيل أمام أي مشروعات أخرى للشباب .. فالأمر سيّان!
- هذا رأيك وأنا مختلف معك!
- حسنًا، عودة لحادثة الإسكندرية .. إذن أنت ترى أن هذا الضابط برئ مما حدث؟
- لا أيضًا ..
- لماذا؟
- لأنه أثار الموقف إثارة أكبر، فعندما سكب إسلام البنزين وهدد بإحراق نفسه، قام الضابط بقذف ولاعة السجائر نحوه وهو يقول في استفزاز لا يحتمله الموقف: "يللا! الولاعة جاهزة .. وريني هتحرق نفسك إزاي!"
- ولكن يمكن تفسير الأمر بأنه ملّ تعقد الموقف، فأراد أن ينهيه واثقا من عدم جديّة إسلام في حرق نفسه فعليا!
- لحظة! .. إلى أي جانب أنت الآن؟!
- لا تهتم، فأنك عندما تحدث نفسك لا تعود هناك أهمية لمَن يتحدث إلى مَن!
- حسنًا، ولكنك تطرح وجهة نظر أخرى، وهي: هل كان إسلام سيقدم على ما فعله لو لم يملك ولاعة الضابط؟
- ولكن نسيت شيئًا، ألم يسكب صفيحة البنزين التي كان يحملها داخل «التوك توك» الخاص به، أي لم يقدم له الضابط هذا البنزين
- هذا صحيح، ولكن هذه الصفيحة كانت مخصصة لإمداد «التوك توك» بالوقود كما تعرف، وهذا لا يعني إنه كان يملك وسيلة إشعال ما تمكنه من تنفيذ تهديده، فربما هو غير مدخن، ويدعم هذا أنه عندما تأزم الموقف وتم سكب البنزين، لم يلمح أحد أي وسيلة إشعال معه إلا التي أعطاها له الضابط على سبيل الاستفزاز كما قلت.
- لا أعلم .. ولي سؤال!، هل ترى إسلام منتحرا؟
- بالتأكيد والله أدرى به!
- والضابط؟
- سأذكر لك مثالا: الشيطان عندما يضخّم أسباب البؤس واليأس ويسد أبواب الرحمة والتواكل لدى بني آدم ثم يقرب له فكرة الانتحار حتى ينتحر فعلا، فهنا هذا الشخص يعتبر منتحرًا بينما لا يعتبر الشيطان قاتلا، مع مساهمته الضخمة التي أجراها الله سبحانه على يده!
- أنك تذهب بعيدا ..
- آسف!، أقصد أنه أيضًا كان من الممكن لو قُدّر ذلك أن يدير الأمر بطريقة مختلفة مع قليل من الحزم، بدلا من التصرف بطريقة عنجهية مع إسلام، والانصياع للغضب
- أنت أيضًا لم تجب على سؤال: مَن المسئول؟
- أعلم فهذه محاورة عقيمة
- إذن لماذا استدعيتني للحوار معك؟
- لأن مشهد الإجابات وهي وترتطم وترتد من جميع الاتجاهات .. مشهد يستحق المشاهدة .. ولا أحب المشاهدة بمفردي
^_^
2 comments:
فى البداية اسمح لى ان اهنئك على هذا الحوار الرائع مع نفسك
=========================
اما بالنسبة لموضوع التوك توك فانك اختصرت كل الاجابات فى الحوار المبسط مع ذات
فالكل مخطئ و الكل يتحمل المسئولية
بداية من عدم توافر فرص العمل
مرورا باختفاء الواعز الدينى الذى ترتب عليه اقدامه على الانتحار
و الرغبة فى المكسب السريع
و الضابط الذى تماد فى استفزازه
فالكل مخطئ و الكل يتحمل المسئولية
تحياتى
@ِأحمد حمدي
أسعدتني مشاركتك، وفعلا الكل مخطأ حتى الناس اللي تجمهروا حول السائق والشرطي، فوجود الناس أرغم السائق على عدم الإنسحاب المهين في نظره أمام الشرطي!
لك تحياتي بالمثل
Post a Comment