Saturday, January 10, 2009

من زاوية أخرى




السارق والناقد       
ديوان الشاعر الحقيقي هو تقريبًا سجلّه الطبي عند طبيبه النفسي .. يكشف الكثير جدا عن حياته سواء قصد هذا أم لم يتعمده ..
والفرق الوحيد بين وثائق الطبيب النفسي السريّة وبين ديوان الشاعر، هو ما قلته منذ قليل وهي تلك «السريّة»، ولكن هذا ليس فرقًا كبيرًا، فديوان الشاعر الحقيقي قد يكون محاطا بالسرية أيضًا، وذلك عن طريق تغليف المعاني بغلاف من الأساليب البيانية والجمالية والمجازات والكناية والتعريض والألفاظ الرنانة والقليل من حشو الكلام ..
وكما أن هناك من يستطيع أن يتسلل خلسة إلى عيادة الطبيب النفسي ليأخذ بعض هذه الملفات والوثائق، فهناك أيضًا مَن يستطيع أن يتسلل إلى أعماق الشاعر من أبياته وقصائده ومعانيه البريئة ظاهريًا لكي يزداد علمًا بما وراء المعنى وما بين السطور..
 ويوجد فرق آخر بين المتسللين، فالأول يدعوه الناس: سارقًا، والثاني: ناقدا!



كلمات صعبة
أنه يذهب للقتال مع عنترة في الصباح، ويعود ليشهد مواجهات الفرزدق وجرير عند الظهيرة، ويقرأ أخبار المعري في صفحة الحوادث، ويستمتع بفيلم السهرة مع مغامرات عمر بن ربيعة العاطفية، ثم ينام مرهقًا بجوار الخنساء .. فمن الصعب بعد كل هذا أن تطالبه بأن لا تفلت من حقيبته كلمة أو كلمتان لا يفهمهما أحد وتفوح منهما رائحة البادية.



نحن لا نتعلم                
في لحظات نادرة، يكتشف الرجل أنه لا أهمية للمرأة ولا لجمالها ولا لمواهب الإغراء فيها، ويكتشف أنها تجعل الماضي أسود والمستقبل أسوأ، ورغم ذلك فإنه على استعداد كل يوم لأن يلقى بنفسه تحت أقدام امرأة جميلة!



نصيحة
تزوجها جميلة .. وسوف يهتدي إليكما ملايين النمل الصغير!



قسمة ونصيب
شيء غريب! .. جميل بن معمر كان وسيما وغنيا وشجاعًا ، ومع ذلك تزوجت بثينة من رجل أعور! .. ما الذي تريده المرأة؟



وصفة
من الأفضل أن تنتحي جانبًا وتدعها تمرّ .. بدلا من مواصلة الجري أمامها! .. وصفة سهلة للتغلب على القلق والضغوط.



الابن
عندما قال لي أنه يعتبرني مثل ابنه؛ تعجبت! .. فهو لم يتزوج!



مأساة
أنه يعتقد أن مهنة الكتابة هي أكثر المهن عجزًا على سطح الأرض .. هذه مأساة .. فكيف يتوقع منّا بأن نؤمن بما يقول!



مهارة تسويق
أقدم طريقة ناجحة للبيع هو أن تستقبل عميلك بابتسامة .. وأكثرها فشلا هو أن تحتفظ بهذه الابتسامة كثيرًا.



اختزال
كيف اختزلنا 67 عامًا هي عمر سعد زغلول، في كلمة واحدة: مفيش فايدة!



الحرب
تعلمت منه أنه عند اتخاذ القرار بالحرب .. لا يعود هناك فائزون!



اهتمام
شكرًا لغزّة، لأنها جعلتنا ندرك أن اهتمامنا جميعًا قبلها كان موجهًا لحذاء!



Friday, January 9, 2009

خطوات ضبابية 5

عتبات الضباب


                                            (5)

رأيتُ نفسي جالسا في الصفوف الأولى داخل قاعة مسرح، وبدأت القاعة تمتلئ رويدا رويدا، وابتدأ العرض، وكنت مدركًا لواقع أنني مؤلف هذه المسرحية التي أشاهد أحداثها.

واستمر المشهد الأول في أحداثه، وكان بطيئًا في الإيقاع والحركة، وكنت جالسًا أتابعه مرّتين، مرة أمامي أراقب أداء الممثلين، ومرة والنصّ المطبوع للمسرحية يجري في ذهني متزامنًا مع الأداء التمثيلي.

وشعرت بأن العرض لم يعجب جمهور المسرح، ولكني لم أجسر على الالتفات للخلف لرؤيتهم، وسمعت من بجانبي يتذمر إثر كل عبارة ينطق بها الممثلون، ويقول هذه من «...» ويذكر أسماء أجنبية لرجال لا أعرفهم، ثم ينتظر بضع عبارات أخرى من المسرحية ويصيح باسم أجنبي آخر لسيدة لا أعرفها، وبدا واضحًا لي أن تلك الأسماء هي أسماء لكتّاب معروفين في هذا المجال وأنني أنقل منهم!، وكنت أرى تعليقات هذا الرجل تظهر عند قوله لها مكتوبةً في هوامش النصّ المسرحي!

وبدأ المتفرجون في الخروج ببطء وبقى بعضهم، وشاهدت شخص مقرب لي يستعد للخروج هو أيضًا، وكان خروجه مفاجئًا لي، فأنني لا أعرف أحدًا من الجمهور الغاضب، ولكني أعرفه هو، وحدثت نفسي بأنه كان يجدر به الجلوس حتى النهاية.

ثم واصل النصّ المكتوب تقدمه في ذهني، حتى رأيت عنوان المشهد الثاني، وأخذ الحوار في التسارع في شدة، ورفعت عيني للممثلين، فرأيت شخصية لم تظهر في المشهد السابق، وأخذت تتحرك في أنحاء المسرح وفقا للتمثيل، ثم بدأت في الإنشاد، وكان صوتها واضحًا وقويًا، وأخذت بعض الأكف تمتد من ورائي وتعبر لي عن استحسانها لما يجري الآن وبأن هذه الممثلة رفعت من قدر المسرحية، فوافقتهم وأخذت في مراقبتها أكثر دون أن ألتفت لهم، وامتدت يد أخرى من ورائي فأجبت: نعم غنائها جميل! 



Monday, January 5, 2009

ليلة الكريسماس السلطانية









ليلة الكريسماس السلطانية




(1)

وَضعَ السلطانُ دستورًا جديدْ

ثم نادى ..

« يا جنود! ..

إقرءوهُ في الإذاعاتِ ..

وفي كل المَنابِرْ ..

والجَرائدْ ..

والحشودْ


واسبقوه دائمًا باسمي ..

ففي الاسم البشارة ..

والحضارة ..

والخلودْ


ابدءوهُ دائما باسمي ..

فيتلوه السجودْ!


يا جنود! »


(2)

نَهَضَ السلطانُ من مَجلِسهِ ..

ومضى نحوَ مقاصيرِ الحريمْ


 جَولةٌ أخرى ..

 وخَصْرٌ مائلٌ ..

قد تعلّم – في الهَوى – أن يستكينْ

وأَنِينْ ..

«عُذْتُ بالرحمنِ مِن هذا الجحيمْ!»


 (3)

يدْخلُ الكُهَّانُ ..

أفواجًا .. وأمواجًا ..

فمِن أينَ يجيئونَ ..

ومِن أين الطلوعْ؟


زحفوا كالنملِ ..

من نافذةِ القصرِ ..

ومن مَقْعَدَةِ الكرسي ..

ومن فُرْجَةِ بابْ

وعلى الوجهِ تعاليمُ الخضوعْ!


حطّموا آنيةَ الوردِ ..

وتمثالاً يونانيًا ..

وعيدانَ الشموعْ


باركوا الدستورَ ..

قالوا أنه ..

«نَهضةُ العصرِ ..

وما ثَمَّ رُجُوعْ»


قرءوا أنجيلهمْ ..

فتّشوا قرآنهمْ ..

ثم صاحوا ..

«إنكَ المذكورُ في صَدْرِ الكتابْ»

يقرءون ..

«يخرجُ الآن ..

على الخَدِّ .. جراحاتُ المسيحِ ..

وعلى الجِسْمِ .. قميصٌ للحُسَيْنْ.

*

يا عبادي ..

هذه مُعْجَزَتي! ..

لا أكرّر مُعجزاتي مَرّتَينْ.»


(4)

يفتحُ السلطانُ صندوقَ الرسائلْ ..

ويُطالِعْ ..

« دُمتَ يا مولايَ ..

في رَغْدٍ .. سنواتٍ مديدهْ.» 

*

«أيها السلطانُ ..

يفديكَ الملايينَ مِن الشعبِ ..

ويأتيكَ مزيده!.»

*

«سيدي السلطان .. أَشكُو ...!!»

*

«سيدي .. هَذي قصيدهْ!.»

*

«بنكُ أمريكا يحييكَ ..

وتقريرُ الحساباتِ عن العامِ الجديدْ ..

والإضافاتِ الجديدهْ.»

*

«أيها السلطانُ .. إحذرْ! ..

غضبةُ اللهِ شديدهْ!»


(5)

تحضرُ المحظيّةُ الإبريقَ ..

والماءَ المُعَطّر!


تَسكُبُ المحظيّةُ الماءَ على الوجهِ المُظفّرْ!


«ما الذي ترجوهُ يا مولايَ في العامِ الجديد؟»

يضحكُ السلطانُ ..

«أرجو ألفَ مليونٍ جديد! .. »

يطفأُ الأنوارَ ..

« أيضًا .. مِنكِ مليونَ حفيد!»


**

يناير 2009