Saturday, June 30, 2012

|قالوا| .. رَكّبَ المَرْءُ في القَنَاةِ سِنَانَا




أن اليوم الذي نستطيع أن نحول فيه الجاذبية إلى مغناطيسية، أو نحولها إلى كهرباء، يضع أيدينا على قوة لا نهاية لها، تغنينا عن استخراج الطاقة من الفحم أو النفط أو التيارات المائية أو الذرات، لأن قوة الجذب في الأرض وفي السماء ميسورة في كل مكان.


 أن هذا الهدف بعيد ولكنه قريب الأسباب، قريب إلى المعقول، قريب إلى الأمل المطلوب.      
      
عباس محمود العقاد

# أشياء أود قولها




لهذه الفترة من تاريخ مصر مؤرخون على طرفيْ النقيض، ولكنهما اتفقا في لومها وتنقيصها، بينما الصحافة الساخرة والصفراء زادت في الهجوم عليها إلى درجة بشعة وانتهكت عرضها انتهاكًا!، فالذي كانت تفعله لا أحد يقرّه!

سألتُ أختي عنها اليوم دون مناسبة، فحتى هي قالت فيها رأيًا قبيحًا، قلتُ مِن أين معرفتك بها!، قالت من المسلسل الذائع الذكر!، قلتُ: لم أشاهده ولكنهم فيما يبدو لم يبالغوا!

والنهاية؟!، خرجت من دائرة الأحداث وتحوّلت عنها الأضواء قبيل إسدال الستار، وفي الظل ينصرف الناس عنك!، ولكن في وفاتها عبرة، أبى الله إلا أن تتحول عن دينها الذي كانت عليه، وأبى جبريل إلا أن يضع الطين في فم فرعون فيسكت فلا ينطق بكلمة الإيمان خشيةً من أن تدركه رحمه الله!


كواكبه




هناك مسائلٌ أربعة من الفتاوى أحب الدندنة بإجاباتها بيني وبين نفسي، سألَ سائل الإمام الشعراوي، عن لون سيدنا آدم عليه السلام، فأجاب الإمام: وماذا يهمّك؟!، علمٌ لا ينفع، وجهلٌ لا يضر!، وسأل سائل الشيخ عطية صقر عن الحكم في جاره في الصلاة الذي ينفر من محاولاته لجذبه لتقريب وإقامة الصف، فأجاب الشيخ: ربما أنت المخطئ، لا تجذبه إليك لتلزق قدمك بقدمه!، فالأساس هو محاذاه المناكب والأعناق، وسأل سائل المفتى المغربي رسلان على موقعه على الإنترنت عن كيفية غسل وتكفين الميت، فأجاب المفتى: اذهب إلى خادم المسجد القريب منك، واقرأ عليه السلام وبلّغه سلامي، وقل له عن سؤالك يجبك!، وأرسلت طائفة من الناس سؤالا إلى هيئة علماء الأزهر يقولون فيها أن عالمين من السعودية أتيا إلى بلادهم حديثة الدخول في الإسلام، وقالوا أن مسجدكم بُنيَ فوق مقبرة قديمة فلا يصح الصلاة فيه، ثم يصف السائل له مدى حيرتهم وتخاصمهم إلى أن رأوا أن يجعلوا الأزهر الشريف حكمًا بينهم!؛ كان السؤال طويلا والإجابة موجزة بليغة، فبعد الصلاة والسلام على النبي الكريم، وحمد لله، وبعد أما بعد!، فأن النبي عليه الصلاة والسلم قال: «جُعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا»، صلّوا حيثما شئتم!


قال أحمد شوقي مخاطبًا الأزهر الشريف:

ما ضرّني إن ليس أفقك مطلعي
وعلى كواكبه تعلمتُ السرى



©

الصورة: الشيخ عبد الحليم محمود، جالسٌ بجوار الشيخ: صالح الجعفري


: )



Friday, June 29, 2012

الأراوح المرفرفة في حمى مصر






يا فتيةَ النيل!، هذا النيلُ مستمعٌ
ومصرُ ناظرةٌ، والشرقُ منتظرُ

تلك السنونَ التي ذقتمْ مرارتها
هذا جناها، فطاب الغرسُ والثمرُ
                 
مرّت، وفي كل مصريٍّ لها أثرٌ
إلا اليقينَ، فما فيه لها أثرُ
                  
سيهدمُ الطودُ من يبغيه معتديًا
وليس يُهدم من أركانكم حجرُ

كنانة الله كم أوفت على خطرٍ
ثم استقرّت، وزال الخوفُ والخطرُ

وكم توالت على أبوابها أممٌ
ومصرُ باقيةٌ، والشمسُ والقمرُ


عباس محمود العقاد

|القاموس| .. درس لغة أسبانية


Aumentó en los dientes

الوردة بين أسنانك!، لأن الأوتار ستشغل يدك، ولإنك إذا وضعتَ الوردةَ في عروة الجاكيت فأنك قد اتخذتها زينةً وباتت وردتك، لا قاعدة تحكم الأمر وإنما هي حاجة وضرورة، ضع الوردة بين أسنانك، إلى حين، لتتفرغ لها، ولا تبحث للوردة عن مكانٍ آخر، فأنها في مختتم الوقت ستُهدى إليها، وقد رواها ريق فمك ووقاها من الذبول!، بديلا من قبلةٍ جافة علاها التعب والعرق والإرهاق، فالوردة قبيل إهدائها هي واجهتك المتصدرة ، ولتصمتْ!، فأين فصاحة الكلام من فصاحة الوردة!

Thursday, June 28, 2012

صلة غير واهية






طلبَ مدرسُ الرسم من تلامذته الصغار أن يرسموا في دفاترهم منظرًا طبيعًيا جميلا مما شاهدوه في طريقهم إلى المدرسة، هناكَ مَن رسم زهرة، هناك من رسم شجرة، هناك من رسم سماء زرقاء وطيور مغرّدة، هناك من رسم النيل الخالد، وكان بين التلاميذ شاعرنا «صالح جودت»، الذي حملَ دفتره الصغير أجمل ما رآه خلال يومه: فتاة من أترابه صبيحة الوجه!




©

The picture: Catherine Deneuve


تراب أقدامهم

قرأت كتابًا عن رجال التصوف في مصر، منذ الفتح الإسلامي إلى اليوم، أربعة عشرة قرنًا ابتدأت بأئمة كالنوار كأمثال «عمرو بن العاص» و«عبد الله بن عمرو» و«الليث بن سعد» و«الإمام الشافعي» و«ذي النون المصري» و«النفري» و«ابن عطاء» و«الشاذلي» و«أبي العباس المرسي» و«الدسوقي» و«البدوي» و«البوصيري»، ثم انتهت في القرون الأخيرة بِمَن؟

بأمثال مَن قال فيه مصنف الكتاب:

كان له كرامة ملازمة عجيبة، ذلك أنه كان ينفخ بطنه متى شاء حتى يتعذر عليه الخروج من باب دخله، وقد يقف عليها بقدميه بعض المنكرين فلا تعود لحالتها الطبيعية إلا متى شاء!


هدانا الله!


إن شخصًا بهذه «الكرامة» -التي تطأ قدمُ المنكرِ عليها- لهو جديرٌ بالعمل بهلوانا في سيرك!



Wednesday, June 27, 2012

عشان خاطر الورد







قال:


مرّ النبي صلى الله عليه وسلم بعبد الله بن رواحة وهو يذكر أصحابه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إنكم الملأ الذين أمرني الله أن أصبر نفسي معكم ثم تلا هذه الآية (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي) إلى قوله (وكان أمره فرطا)، أما إنه ما جلس عدتكم إلا جلس معهم عدتهم من الملائكة إن سبحوا الله تعالى سبحوه وإن حمدوا الله تعالى حمدوه وإن كبروا الله كبروه ثم يصعدون إلى الرب جل ثناؤه وهو أعلم منهم فيقولون: يا ربنا عبادك سبحوك، فسبحنا!، وكبروك، فكبرنا!، وحمدوك، فحمدنا! فيقول ربنا عز وجل:

- يا ملائكتي أشهدكم أني غفرت لهم!

فيقول ملك من الملائكة:

- يا ربنا إن فيهم فلانا ليس منهم، وإنما جاء لقضاء حاجته

فيقول تعالى:

- هم القومُ لا يَشقى بهم جليسهم!




ثم تابعَ:


فانظر أخا الإسلام رحمني الله وإياك كيف كان ذكرهم لخالقهم ومالك أمرهم سبحانه سببًا في إكرامهم وإكرام جليسهم، حتى ولو لم يكن على شاكلتهم، فإن الله تعالى يكرمه إكرامًا لهم ..


ثم تنحنح (أو خلته قام بذلك)، وقال:


وقيل قديمًا في الأمثال المتداولة على ألسنة العامة من الناس كلامًا يشبه ويوافق هذا المعنى الكريم، لا أجد بأسًَا في إثباته هنا إذ أنه لا يخالف نصوص الشرع، بل يوافقها ويبين معناها، ويوضّح قيمتها، وهو قولهم:

«عشان خاطر الورد ينسقي العليق»

وهو وإن كان كلامًا عاميًا، فإنه كلامٌ طيبٌ يوافق معنى الحديث بل يوافق القرآن الكريم، فقد قال تعالى في هذا المعنى:

وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ




••



يا إلهي!، وكأنه تحرّج من الوقوع في إثم، وتردد وتلجلج وتفكّر، قبل أن يقحم في كلامه كلمةً عامية!


هوّن عليْك!، ليس الأمر والله بهذا السوء!


اللُباب







هذه الروايات اللطيفة!، التي تعرف من الغلاف أنها تتحدث عن قصة حب متفانٍ وعلى مستوى راق من المثالية، حاول خالي مرة أن يرشدني إلى كيفية قراءتها، قال لي: تُقرأ كلمةً كلمةً!، قلتُ له: لا صبر عندي!، قال لي بعد أن نفد صبره هو هذه المرة: هكذا نقرأها، قلتُ: ليس أنا!، وحاول خالي أن يجعلني استعذب شعر الوالهين، وكان معي ديوانًَا لأحدهم، ففتحته عشوائيًا وقرأتُ قراءة سريعة البيت الأول الذي صادفني، فأخذه مني وقرأه، ولإضاءة جوانب المشهد، كان الوقت ليلا صيفيًا جميلا، ونحن جلوس في الهواء الطلق، ولا أحد معنا سوى ابنته الصغيرة اللاهية حولنا هنا وهناك!، أمسك خالي الديوان، ومالَ قليلا في جلسته إلى الوراء، وأنشد بصوتٍ  رخيم بطيء الشطر الأول من البيت الأول:


يا حبيبَ العُمرِ!، ما عمرُ الزمانْ



أتذكّر هذا جيدًا جدًا، وأتذكّر تلك الـ« آه » المتوسطة المدى التي أطلقها إثر إنشاده للشطر الأول، ثم كيف استكمل إنشاده باسترخاء:



يا حبيبَ العمرِ!، ما عمرُ الزمانْ
فَنُقَضِّيهِ خصامًا ونوَى



كيفَ هانَ الوِدُّ؟، قل لي كيفَ هانْ؟
والهَوى؟!، أينَ انطوى عُمْرِ الهوَى



واستطالت تلك الـ« آه » هذه المرة بعد أن أتمَّ الشاعر المعنى المعُجِب جدًا في نظر خالي، بينما كنتُ أنا حينذاك جالسًا بجواره أراقبه وكأنني أراقب مسرحية هزلية ساذجة، وأنا أقول لنفسي أثناء مشاهدتها: ما الذي جاء بي إلى هنا!



 



جلستُ بجانب أمي، وكانت تقزقز لبًا!، فأخذتُ واحدة وابتلعتها، فقالت لي: أنت لم تقشرها، قلتُ لها بأسلوبي المعتاد: لم تعلّميني وأنا صغير!، قالت في بساطة هزلية: امسكها هكذا وشقّها هكذا ثم تناول اللُب!، قلتُ لها - صادقا -: سيضيع الكثير من الوقت هكذا من أجل لبّة واحدة صغيرة!، قالت: هناك مَن يستمتع بوقته وهو يقوم بهذا!، قلت لها متجاهلا ما قالته: طيّب تعلّمنا!، وما الأشياء الأخرى التي فاتني تعلمها منكِ وأنا صغير؟!، قالت وهو تستمر في قزقزتها: سماع الكلام!





 ©
The picture: Samuel Beckett
The man who doesn’t like the elegance of language 

Tuesday, June 26, 2012

اليوم الكبير






قال البعض أن تنبؤات نوستراداموس  قد تحتوي زمنيًا على هامش خطأ بسيط،  أي لا يشترط فيها الدقة الزمنية تمامًا، إذن، ونحن في يوم الثلاثاء العظيم، أزف إليكم خبر العثور على الغرض المفقود، وإيجاده وإحضاره صباح اليوم فقط :P


فليقل خيرًا او ليصمت






يحدث دون إرادة مني أن أعيد على مسامعي كلمة، أي كلمة، مرارًا وتكرارًا إلى أن انتبه إلى أنني -في غمار التكرار والإعادة- فقدتُ معنى هذه الكلمة، وكأنها تحللت وصارت أحرفًا لا معنى لها، كأنك أمسكت حرفًا من هنا وحرفين من هناك وأخرجت منهما كلمةً لم تمر بأذن إنسان من قبل!، واسأل نفسي كم سنة لزمت لتصبح لهذه الكلمة معنى في أذن السامعين!، أنا لا أعرف!


••


وهناك تدوينة رأت صاحبتها أن نداء مرسي للمصريين بكلمتيْ (أهلي وعشيرتي)، أكثر دفئًا وشعبية من (الأخوة والأخوات)، ولكن لماذا؟، إننا ابتذلنا كلمة الأخوة والأخوات فلم نقدرهما قدرهما، وهما من ناحية المعنى أكثر قربًا وعلاقة وصلة من الأهل والعشيرة، مثلما مرت على عيني من قبل كلمة المؤاخاة التي عقد أواصرها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار عند الهجرة الشريفة، فهذه المؤاخاة لم تتجاوز حال قراءتي لها لمعنى الصداقة المعتاد، مثلما يرحب رب البيت بالزائر، ولكن مع الوقت أدركت أن للمعنى ظلالا أخرى لم أكن أعرفها، انتبهت -أول مرة - لجزءٍ ضئيلٍ من الظلال المحيطة لمعنى المؤخاة، عندما قرأت خبر سلمان الفارسي مع  «أخيه» أبي الدرداء الأنصاري، عندما دخل المنزل ووجد زوجة أخيه أبي الدرداء مبتذلة، أي مرتدية ما يناسب القيام بأعمال البيت والتنظيف، ربما كان ذلك لدون حاجة حقيقية لارتداء هذه الملابس، أو ربما لأنه رآها كثيرًا من قبل بهذه الملابس!، فسألها عن شأنها، فقالت:

- إن أخاك أبا الدرداء يقوم الليل ويصوم النهار وليس له في شيءٍ من الدنيا حاجة!



أي أنها شكتْ إليه في مواربة إهمال (أخيه) بالقيام بحقوقها الزوجية، ثم يمضي راوي الحديث فيقول أن أبا الدرداء جاء وهم معًا، فرحب به سلمان الفارسي وقام بنفسه (وهو في بيت أبي الدرداء) ليعد له طعامًا، ولما قال له: كُل!، أجاب أبو الدرداء: إني صائم!، فأعاد سلمان قوله: ما آكل حتى تأكل!، أقسمتُ عليكَ لتفطرنّه!، ثم أكلا معًا، ولما جاء أول الليل وهو معه أراد أبو الدرداء أن يقوم الليل، فمنعه سلمان وقال له: نَم!، ثم مضى قطعٌ من الليل، فأراد أبو الدرداء أن يقوم، فمنعه سلمان وقال له مرة أخرى: نَمْ!، ثم آتى آخرُ الليل، وأيقظ سلمان الفارسي أبا الدرداء من النوم وهو يقول له: قُمْ الآن!، فقاما الليلَ وصليا معًا، ثم قال له سلمان الفارسي: إن لجسدك عليك حقًا، ولربك عليك حقا، ولأهلك عليك حقًا، فصم وافطر، وصل وآت أهلك، وأعطِ كل ذي حقّ حقه!


ثم حان وقت صلاة الصبح، فخرجا معًا إلى المسجد، وقابل أبو الدرداء رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره بما كان من أمر سلمان الفارسي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدق سلمان!، إن لجسدك عليك حقًا مثل الذي قال لك سلمان!


••


وجزء آخر من ظلال معنى المؤاخاة رأيته عندما كنت اقرأ في تفسير الآلوسي لمعنى:

أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مّفَاتِحهُ


فقد قال أنه قد كان السلف ينبسطون بأكل أصدقائهم من بيوتهم ولو كانوا غيبا، ويحكى عن الحسن أنه دخل داره وإذا حلقة من أصدقائه وقد استلوا سلالا من تحت سريره فيها أطايب الأطعمة وهم مكبون عليها يأكلون، فسر سرورا، وضحك وقال: وجدناهم هكذا وجدناهم!  ( يريد كبراء الصحابة ومن لقيهم من البدريين)


وقال الآلوسي:

كان الرجل منهم يدخل دار صديقه وهو غائب فيسأل جاريته كيسَه فيأخذ ما شاء فإذا حضر مولاها فأخبرته أعتقها سرورا بذلك وهذا شيء قد كان ..

إذا الناسُ ناسٌ والزمانُ زمانُ


ثم يقول الآلوسي المائت منذ أكثر من 160 عامًا، بحسرة:

وأما اليوم فقد طوى فيما أعلم بساطه، واضمحل والأمر لله تعالى فسطاطه، وعفت آثاره وأفلت أقماره، وصار الصديق اسمًا للعدو الذي يخفي عداوته وينتظر لك حرب الزمان وغارته، فآه ثم آه ولا حول ولا قوة إلا بالله ..


••


ما معنى الإخاء، لا أعرف يقينًا!، مثلما لم يعرف الصوفي إلا متأخرًا بعضًا من ظلال «الله أكبر» الذي يقولها في مفتتح الصلاة!، ليصير كلما همّ بصلاةٍ مضطربًا أشد الاضطراب، ويسأله الناس: ما لك!، فيقول: كيف أقول الله «أكبر» وفي نفسي مِن الدنيا ما يشغلني!


••


مررت عابرا على الآية الكريمة:

لَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ

ما معنى الغفلة!، لا أدري، ثم انتبهتُ وقلتُ: يا مغفّل! - أي أنا ! - هل لابد أن يأتي الحرف مشددًا والكلمة مقرقعة لتنتبه لها!،  ربما أتت الكلمة ناعمة الأحرف هكذا .. غَـ .. ـا فِـ .. ـلُ!، بدلا من « أولئك هم المُغَفَّلُونَ»، كي لا تثير صدىً وانفجارًا إلا في القلوب اليقظة، أليس للألم حدًا إن تجاوزه أتت الغيبوبة وحالت بينه وبين الشعور بما فوق طاقته!، أليس لقدرة الأذن البشرية حدًا، وما جاز هذا الحد من الأصوات فهو لا يُسمع وإن كان الصوت هائلا لا يسع للأذن تخيله!


ونقول كما نتنفس: «قال رسول الله!»، إلا واحدٌ، صحابيٌ جليل، كان عندما يقولها، يرتجف ويستند على عصاه ويصفرّ وجهه، إلى أن يشفق عليه أصحابه ويرحمونه، إنه يدرك أي بابٍ للجحيم قد تفتحه هذه الكلمة «قالَ رسول الله» إن هو تناسى أو غفلَ عن كلمةٍ واحدة قالها الرسول عليه الصلاة والسلام، إن للكلمة لديه معانٍ وظلال ممتدة ودون بلوغ منتهاها خرطُ القتاد!


••



أن الصمتَ لمنجي، ولكن شهوة الحديث قاتلة، وويحك يا معاذ! وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصاد ألسنتهم؟!


Monday, June 25, 2012

ألحان ملتهبة








هو اسم ديوان شعره الأول الذي أخرجه عام 1954 في زهوة الثلاثين، وفيه ما فيه من تخيلات هوى الشباب، ندرك أنها كذلك لأنها تتكرر فيها الصور والكلمات ذاتها، فهي «ألحان ملتهبة»، بـ«ـموسيقى الشعور»، وهو« يعزف على العود ألحان هواه»، و«يغنّي ألحانه»، وهو «كالطير المحلّق في سماوات الهوى» ..


ولا تسيئوا بي الظن!، فإني أحب قراءة هذه الأبيات، فهي تشبه إلى حدٍ ما تعلّم الطفل للأبجدية، وترديده للكلمات الأولى .. ألفٌ: أرنب، باءٌ: بطّة، وبعد ذلك .. فالطريق أمامه لا متناهي المدى!


••

وهناك قصيدة، كواسطة العقد، لأن الشخصية ظهرت!، فالقصيدة عن الصحراء، واستهلها بمقدمة نثرية يقول فيها أن كان يرسم للصحراء في نفسه صورة حية مغرية، ولهذا شعر بالرضا والارتياح حينما واتته الفرصة ليعيش هناك فترة من الزمن، ولكن سرعان ما ضاق بها وبحياتها القاسية!


هذه مشاعر صداقة لا زيفَ فيها ولا مجاراة لأحدٍ:


وحوليَ أهوالٌ وذعرٌ ووحشةٌ
تُثير بقلبي الرعبَ في الصحو والنوْمِ

يفزّعني سيْلُ الأفاعي كأنها
حتوفٌ مغيراتٌ مسدّدة السهمِ

وللريحِ فيها هَيْجَةٌ إثر هيجةٍ
مُعقربةٍ محمومةِ اللفحِ والسمِ

وما أنا ذو بأسٍ فتخبو مخاوفي
وما أنا ذو حلمٍ فينفعني حلمي

هواجسُ نفسي تستفزُّ مشاعري
وتحرمني أمني .. وتسلبني حزمي

أخافُ الدواهي جاهلاً بوقوعها
فكيفَ بأمْنيها إذا كنتُ ذا علمِ

وليسَ أمامي مهربٌ، فأرودهُ
ولا راحةٌ لي من ملالي ومن سقمي


••
  

وضعَ المؤلف على عادة هذا العصر، صورته الفوتغرافية، ليصدّر بها الصفحة الأولى، وهو وسيمٌ، كثيفُ الشعر، ناضر الوجه، عينان تواجه الرائي ويشع منهما بريقٌ لا يتجاهله أحد، بذلة كاروهات زاهية، مع رابطة عنق ملفتة بمقاييس هذا العصر، كل شيءٍ ينطق بشطر بيت أبي العتاهية في أرجوزته:

روائحُ الجنّةِ في الشبابِ



ثم بحثتُ عنه جوجليًا ..


توفى - رحمه الله - عام 1999، بعد أن أخرج بعد هذا الديوان عدة دواوين أُخَر، وكانت هناك صورة له، هذه صفحةٌ من الكتاب، فاقلب!، ابيّض الشعر الاسود وانحسرت غاباته، وانطفأت العينان الهاربتان من المواجهة، وتمطّت علاماتُ الهرم على وجهه القديم، وارتدى بذلة سادة لا شية فيها أو علامة بارزة.



••



وماذا بعد؟




نشروا له قصيدة أخيرة، كلحنٍ ختامي أخير، قالَ فيها :



لم يبق من أحبابنا أحدُ 
وكأنهم للموت قد ولدوا

كانوا هنا بالأمس كلهمو
وأنا بهم مستمتعٌ غردُ

أشدو ألاحين الحياة، وبي 
شوقٌ كمثلِ النار يتقدُ

وكأن قلبي فى تهلله
روضٌ عليه الطير يغتردُ

آهًا عليهم!، فُضّ سامرهم 
وتشعبوا، وطواهمُ الأبدُ

وبقيتُ وحدى لا أنيسُ، ولا 
سلوى عليها النفس تعتمدُ

حتى الشباب - وكان لي مددا 
إن طمّت الآلام والكمد -

ولّى!، وكنتُ على الخطوب به 
أقوى، ولي من بأسه سندُ

نزحتْ ينابيعي، وكنتُ بها 
ريّان للأفراحِ أحتشدُ

وتناثرت سفني وأشرعتي 
فقبعتُ فى الأرياح أرتعدُ

تتبرجُ الدنيا، فأهملها 
وتروق أورادي فلا أردُ

ياحسرةً فى القلبِ تعصفُ بى 
أكذا النهايةُ؟، شدّ ما أجدُ!

هى محنة ُالفقدِ الأليمِ، ومَن 
يعشِ الحياةَ يظلُّ يفقتدُ


••


ألا .. ليجزل الله مثوبته!


••

The picture « Viejo Maestro» © James Sparshatt