Wednesday, June 27, 2012

اللُباب







هذه الروايات اللطيفة!، التي تعرف من الغلاف أنها تتحدث عن قصة حب متفانٍ وعلى مستوى راق من المثالية، حاول خالي مرة أن يرشدني إلى كيفية قراءتها، قال لي: تُقرأ كلمةً كلمةً!، قلتُ له: لا صبر عندي!، قال لي بعد أن نفد صبره هو هذه المرة: هكذا نقرأها، قلتُ: ليس أنا!، وحاول خالي أن يجعلني استعذب شعر الوالهين، وكان معي ديوانًَا لأحدهم، ففتحته عشوائيًا وقرأتُ قراءة سريعة البيت الأول الذي صادفني، فأخذه مني وقرأه، ولإضاءة جوانب المشهد، كان الوقت ليلا صيفيًا جميلا، ونحن جلوس في الهواء الطلق، ولا أحد معنا سوى ابنته الصغيرة اللاهية حولنا هنا وهناك!، أمسك خالي الديوان، ومالَ قليلا في جلسته إلى الوراء، وأنشد بصوتٍ  رخيم بطيء الشطر الأول من البيت الأول:


يا حبيبَ العُمرِ!، ما عمرُ الزمانْ



أتذكّر هذا جيدًا جدًا، وأتذكّر تلك الـ« آه » المتوسطة المدى التي أطلقها إثر إنشاده للشطر الأول، ثم كيف استكمل إنشاده باسترخاء:



يا حبيبَ العمرِ!، ما عمرُ الزمانْ
فَنُقَضِّيهِ خصامًا ونوَى



كيفَ هانَ الوِدُّ؟، قل لي كيفَ هانْ؟
والهَوى؟!، أينَ انطوى عُمْرِ الهوَى



واستطالت تلك الـ« آه » هذه المرة بعد أن أتمَّ الشاعر المعنى المعُجِب جدًا في نظر خالي، بينما كنتُ أنا حينذاك جالسًا بجواره أراقبه وكأنني أراقب مسرحية هزلية ساذجة، وأنا أقول لنفسي أثناء مشاهدتها: ما الذي جاء بي إلى هنا!



 



جلستُ بجانب أمي، وكانت تقزقز لبًا!، فأخذتُ واحدة وابتلعتها، فقالت لي: أنت لم تقشرها، قلتُ لها بأسلوبي المعتاد: لم تعلّميني وأنا صغير!، قالت في بساطة هزلية: امسكها هكذا وشقّها هكذا ثم تناول اللُب!، قلتُ لها - صادقا -: سيضيع الكثير من الوقت هكذا من أجل لبّة واحدة صغيرة!، قالت: هناك مَن يستمتع بوقته وهو يقوم بهذا!، قلت لها متجاهلا ما قالته: طيّب تعلّمنا!، وما الأشياء الأخرى التي فاتني تعلمها منكِ وأنا صغير؟!، قالت وهو تستمر في قزقزتها: سماع الكلام!





 ©
The picture: Samuel Beckett
The man who doesn’t like the elegance of language