Wednesday, June 29, 2011

قالوا 2



"اهبط إلى الناس وأندبهم إلى خُلُقٍ
كما تشاءُ على تقوى وإخباتِ

وارغب بهم عن شرورٍ أنتَ ناقمها
وداو ما استطعت كلْمَ المصمئلاتِ

أوردهُمُ الخُلُقَ الأعلى، لعلّ لهم
إلى الدنيّات طبعًا غير منصاتِ

فإن فشلت، فلا غَروٌ!، فإنَّ لنا
في الخَلقِ حكمةُ مخبوءِ العلاماتِ"


عبد الرحمن شكري


..

" إن عيب المصريين هو أن كل واحد منهم يريد لنفسه الظهور والصيت مع أن العمل الحقيقي لا يتم بالضوضاء"

قالها أستاذ قانون فرنسي اسمه (إدورارد لامبير) تولى نظارة مدرسة الحقوق الخديوية عام 1908، أتوا به من فرنسا لذلك، ولكنه لم يمكث سوى سنة دراسية واحدة في مصر، وما لبث أن اختلف مع اللود دنلوب الإنجليزي، الذي كان مستشارًا للمعارف في مصر، ومس الأمر كبريائه الفرنسي فرجع إلى بلاده، ولكن هذه السنة الدراسية الواحدة التي مكثها كانت كفيلة بمعرفته بعيب المصريين الذي لا نبذل جهدًا في كتمانه!، فقال العبارة السابقة

.. 
"أن الشعب، بالرغم من تأثره من مختلف الدعايات، يقدّر (أحيانًا) أعمال الناس، حقًا أنه قد يضل حينًا وقد يضل كثيرًا، ولكن يجدر بمن يتصدى لخدمته – وخدمته واجب محتم على كل فرد – أن لا ينقم من الشعب خطأه في التقدير، ولا يثور عليه لمجرد أنه تنكر له في بعض المواقف أو تخطاه في تقديره مرةً أو مرات .."

قالها عبد الرحمن فهمي في مذكراته، وقد تعمد أن يضع (أحيانًا) بين قوسين، لأن الكثرة غالبة!

Tuesday, June 28, 2011

قالوا 1


قالوا:



يا ولدي!، برضانا عليكم، لا تتعاطوا هذه الصناعة، لأننا ما وجدنا شاعرًا على جسمه قميص
!

جزء من رسالة أرسلها  والد شاعر الأقطار العربية خليل مطران، إلى ابنه في شبابه الأول ينهاه عن الاستمرار في تعاطي صناعة الشعر!، وينصحه بالتفرغ لدروسه العلمية بدلا من هذا التبطّل بالشعر!

حائط المسجد 1


هي عدة وريقات معلقة على حائط جانبي في المسجد في الطريق إلى دورة المياه والوضوء، وهي وريقات تتضمن أحاديث شريفه وأقوال للصحابة والتابعين والصوفيين والصالحين، ويعلوها عنوان (قف وتأمل!)، وأصبحت من عادتي عند صلاة العشاء أن أستبشر بما تقع عيني عليه في طريقي إلى الميضأة (الميضأة: مكان الوضوء)، ودائمًا في غرابة تكون الوريقة التي يقع نظري عليها ترتبط إرتباطًا وثيقًا بما كنت أفكّر فيه طوال اليوم!، وتكون على إيجازها وحكمتها هي مفتاح راحتي، وإن كانت عامة المظهر في ظاهرها فأنني أخلع عليها معانٍ تطمئني كل الاطمئنان فيما يشغل بالي، كانت ورقة اليوم التي أنقذتني:

إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا عَمِلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ أُحِبُّهُ اللَّهُ ، وَحَبَّبَهُ إِلَى خَلْقِهِ ، وَإِذَا عَمِلَ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ أَبْغَضَهُ اللَّهُ وَبَغَّضَهُ خَلْقَهُ

يكفي هذا، لا مزيد!، يعلم الله كيف رجحت بهذه الكلمة كفة ميزاني، أوّاب أوّاب!

Monday, June 27, 2011

الفرزدق 1


كان أول عهدي بالفرزدق هو كتاب مختارات أشعاره، وفي الحالة العادية كنت سأعتبره أبغض شعراء العالم إليَّ على الإطلاق، وذلك لفرط ما تجنّى جامع المختارات في مقدمته وفي مختاراته على شخصية الفرزدق، ونسب إليها كثير من الأمور الشانئة والصفات المذمومة، ولم يكتف بهذا وإنما تحرّش بشاعريته كثيرًا، من خلال حديثه عن سطوات الفرزدق على أبيات غيره من الشعراء وضمّها إلى شعره، كأن تلك عادة دائمًا ما يفعلها، وكذلك لم يعجب جامع المختارات أن قصيدة: هذا الذي تعرف البطحاء وطأته، والبيت يعرفهُ والحل والحرمُ، التي قالها الفرزدق في سيدنا علي بن الحسين، وتعرض بسببها للسجن، لم يعجب جامع المختارات أن هذه القصيدة الطاهرة للفرزدق الفاسق!، فأنكر نسبتها إليه – ولم يكن هو أول من أنكر نسبتها إليه – هذا بالإضافة إلى المختارات ذاتها، فقد اكتفى بأجزاء القصائد السائرة المشتهرة له في النقائض والهجاء، ومختارات من قصائد أخرى لا توضّح غير صورة واحدة أراد الجامع أن يبرزها!

هذا الكتاب الذي جعلني أمقت كتب المختارات الشعرية، فرؤيتك للشاعر قاصرة جدًا، ستقولون أن هذا أمر بديهي!، نعم!، لا ريب!، ولكن تعلمناه بالتجربة الصعبة!!

وبقى أثر كتاب مختارات الفرزدق في داخلي كثيرًا، وما هدأ إلا بعد أن أحضرت نسختي من ديوان الفرزدق الضخم!، أعترف أنني استقلته في البداية، واستثقلت أسلوب الفرزدق «البدويِّ» في الشعر!، وكذلك قلة تنويعاته على أبحر الشعر العربي، وميله إلى استخدام بحر واحدٍ بصفة غالبة، فمللت كثيرًا جدًا وكانت الشرح على الأبيات غير كافٍ ولا وافٍ على أية حال!، ولكنني قد دائمًا عندما أجد الوقت وأركن إلى الراحة أمدّ يديَّ إلى ديوانه وأذوب فيه، وقصائد الفرزدق مرهقة!، فأقضي ليلي هكذا ولا ينزعني عن ديوانه إلا سلطان النوم!، إلى أن وجدت أخيرًا نَفَسَ الفرزدق!، وهذ معناه عندي أن شاعرية صاحب الديوان حقيقية!، وأنه مطبوع على قول الشعر دون تكلّف، وأن شخصيته الآن بارزة أمامي على صفحات الديوان وعلى صفحات أخباره المتفرقة في كتب الأدب.

ثم خطرَ لي أن أوهم نفسي بأنني مَن أوكلته دار النشر كي يجمع لصالحها مختارات من شعر الفرزدق للنشر، بدلا عن كتاب المختارات الكارثيِّ الأول، وبالتأكيد نهضت بهذه المهمة الوهمية في نشاط، وأخذت أضع إشارات حول الأبيات الفاتنة التي توضح شخصية الفرزدق تجاه أهله وقومه ومثله الأعلى في الحكم والخلافة، وعن وفائه لزوجته وتشبيبه الرقيق بها في عديد من قصائد الديوان، وعن حبه الجم لأبنته، وعن تقديسه للمثل الأعلى في شخصيات الممدوحين، وعن جرأته في قول الصدق وإن جرّ عليه الويلات، وعن رثائه ومديحه الصادقيْن في عمر بن عبد العزيز، رغم أنه لم ينل منه – أي من عمر رضيَ الله عنه – نائلةً!

لعل للحديث بقية، فقد كنت أريد هذه الليلة أن أكذّب إحدى القصص التي نقلها صاحب الأغاني عن الفرزدق، ولا نخرج منها بشيءٍ إلا أن الفرزدق حاسدٌ لئيم لا يحب الخير لغيره!، وفوق هذا فالقصة في ذاتها متهافته كثيرًا، هي قصة «نصيب» الشاعر مع الفرزدق، ولكن يا لهذا التدوين اليومي!، لا يترك متسعًا للتقصّي واليوم شارف على الانتهاء!!، ولكن .. لعل للحديث بقية!

تقصير


صباح اليوم قابلت زميل من أيام الدراسة صدفةً في المترو، وبعد الترحيب، قال وهل تزوج فلان وعلان بعدُ، وفلان وعلان وأمثالهما من أصدقائي منذ المدرسة، فقلت: لا، فقال: وفلان أمتأكد أنه لم يخطب أحداهن بعد!، قلت: نعم متأكد! لم يصبه الدور!، قال: غريب! توقعت العكس!، - ليه؟، - كده!، - طيّب وأنت؟!، - أشتغل من ثلاث سنوات ولم أكوّن شيئًا بعد، وأنت متأكد أن فلان لم يخطب مثلا ولم يتم الأمر!، قلت: لا!

حسنًا، إضاءة!، فلان هذه من أصحاب اليسار والغنى، وزميل مقابلة المترو تشغل باله حاليًا كما هو بديهي، حكاية الزواج، ويشعر بالتعجب لأن المال في حالة فلان لم يحلّ الوضع وهو يمثاله في السن!، بل ربما الآن يظن أنني كذبت لكي لا أزيد آلامه وجعًا!

قال: هذه محطتي، سأنزل هنا!
قلت: دعنا نراك!
قال: إيه!، كم سنةٍ مرت!

••

نشرت جريدة الشرق الأوسط موضوعًا تأبينيًا في رثاء الإمام الحافظ رامز باشتيتش، أحد مشايخ البوسنة الأجلاء، أحببت هذه المأثرة التي قالها صديقه:

لم يتقبل أي هدية مادية في حياته إلا إذا كانت كتابًا

رحمه الله
!

 ••

وفي كتاب اليوم قرأت فيه فقرة أخرى، كان الكاتب يتحدث عن المساواة بين المرأة والرجل، وكان من رأيه رفض هذا الأساس تمامًا، وأورد مناقشة بينه وبينه إحداهن، قال في نهايتها ..

لم أجد بدًا عند ذلك من اللجوء إلى حجة مفحمة دأبت على أن أختم بها كل جدال في هذا الموضوع!، إنها حجة لم أقرأها في كتاب، ولا قال بها عالم أنتروبولوجي، أو بيولوجي، بل كانت حكمة كتبها في ذات مرة دكّاني بسيط على باب حانوته الذي كان قائمًا منذ نحو أربعين عامًا، ومنطوق هذه الحكمة كان ما يلي:
لا يمكن للمراة أن تتساوي والرجل، فرجل واحد يستطيع أن يأتي بألف ولد من ألف امرأةٍ، وامرأة واحدة لا تستطيع أن تأتي من ألف رجل، بغير ولد واحد!

والكتاب عبارة عن محاضرات مجمّعة للمؤلف، لذلك فقد قال ما سبق، ثم أردف حكمته بالاعتذار للحضور إن وجد بها شيئًا من الابتذال!

وفي ذات المحاضرة أيضًا، وقبل عدة أسطر، قال:
تأملي يا سيدتي!، أنا أطول منكِ قامة وأضخم عضلاتٍ وأخشن بشرة وجه، هكذا خلقني الله، ومع ذلك فإني أمارس في الظل والهدوء عملا لينًا لا يتطلب مني إلا حمل السماعة والاستعانة بمعلومات خزنتها في رأسي من الدراسة، وقراءة الكتب والمجلات الطبية ..
وأنتِ في لين بشرتك ونحافة قدك، ورقة أعصابك، تقفين أمام نار المطبخ نصف اليوم، وتقطّعين وتقشرين، حاملةً سكينًا لم تخلق لها أناملك الناحلة ..
الوضع الصحيح هو أن تكوني أنتِ الطيب، وأكون أنا الطباخ، إذا لم تكن مهمتي حمل الأثقال أو تكسير الحجارة.

فلم تقتنع السيدة بهذه الحجة، ومعها حق!، ولذلك اضطر الطبيب المؤلف إلى الاستعانة بحكمة الدكّاني التي كتبها منذ أربعين عامًا!

••

أشعر بالتقصير، أتذكر كثير من ملامح الوفاء التي مارسها قلة من أصدقائي المخلصين نحوي، أعيد دائمًا التأمل في قمة وفائهم وإخلاصهم، وأتعجب لنفسي!، لم أرد جميلهم إلى الآن، ولو بكلمة امتنان!، كأنهم كان لابد أن يقوموا بذلك!، أفق!، - أي أنا - فمَن لا يشكر الناس لا يشكر الله!