Friday, June 17, 2011

جولة


أخيرًا البيت!، ألقيت عنّي الحملَ الثقيل، لا أتذكر آخر مرةٍ ذهبت فيها إلى سور الأزبكية، ولكن لا يزال كما هو، وأحمد الله إنني شهدته في مرحلة الثانوية والجامعة فيما قد أعتبره نهاية عصره الذهبي الثاني، أي عندما كان في ساحةٍ مربعة فسيحة ومتسعة خاصة بأكشاك الكتب وحسب!، وليس كما هو الآن على صفوف ضيقة في وسط طريق الناس الرائحين والغادين أمامها وحواليها دون رغبة منهم في النظر إلى الكتب وإنما لمجرد مرور واجتياز الطريق وصولا إلى محطة المترو أو مسرح العرائس، أو الخروج إلى الشوارع التجارية في العتبة حيث يقع السور، وأيضًا كثرت بشكل قبيح بين أكشاك الكتب معروضات الباعة الجائلين، من ملابس وإكسسورات وسلع صينية وألعاب أطفال، فكان الأمر فوضويًا، ومن الجانب الآخر جانب الكتب، كثرت هناك نوعية المكتبات (التجارية)، أي نعم كل مَن هناك هدفه الربح، ولكنّي أقصد بنوعبة المكتبات التجارية هي المكتبات التي ترتكز إلى بيع الكتب الدراسية أو الجامعية، أو مجلات الديكور والموضة والطبخ، وقد تحتوي أكشاكهم على كتب متنوعة طيّبة أيضًا، ولكن لأنهم من نوعية المكتبات التجارية، فهم لا يعلمون شيئًا عما يتضمنه كشك الكتب، وإجابتهم الدائمة إذا سألت عن كتابٍ محددٍ هي:

-  عندي هنا كتب كثيرة، اذهب وانظر إليها

وتكون الإجابة:
- شكرًا، مع السلامة!

ولكن على الرغم مازالت هناك، وجوهًا مازلت أتذكرها من السور القديم!، مكتبات يحب أصحابها مهنتهم حقًا، قد تدخل وتخرج بكتابٍ واحدٍ، قد تجده صدفة في مكتبة أخرى، ولكنك على اليقين لن تجد مثيلا للحوار الأطيّب الذي أجريته منذ قليل مع بائع الكتب، ودائمًا في حالتي ما يكون البائع قد وخطه الشيب وركبه العمر، فيكون الحديث دافئًا عن الكتب والكتّاب الراحلين الكبار، وتتردد على شفاهينا أسماء عشرات العناوين لأعظم الكتّاب، والاقتراحات الجديدة، وكانت الليلة طيبة لأنني قابلت أثنين من هؤلاء البائعين الأصليين للسور، أحداهما تذكرني وقال أين كنت!، مازلت أتذكرت منذ أعوام عندما كنت تسألني عن مؤلفات عزيز أباظة، أتتذكره!، وطال الحديث جدًا بيني وبينه، وكما قلت الحديث كان لا يفوّت، أما الكتب فما خرجت من عند (صديقي القديم) إلا بثلاث كتب أحببتها، وتحدثنا عن ثلاثتهم كثيرا، مع وعد بالعودة لتأخر الوقت، والثاني كان بائع كتب إنجليزية، أبهجني الحديث معه كثيرًا، وأرهقني كثيرا بمحاولتي مسايرته في التحدث عن روائيه المفضل: جراهام جرين وهمنجواي، وأخرج لي مجموعة وافرة من أعمالهما، ثم كان بين كل فترة حديثٍ وأخرى يخرج لي كتابًا ويتحدّث عن مؤلفه وأعماله الأخرى، خرجت من عنده ببعضها، ثم عند النهاية، قال لي: أنك تحب الشعر، فلك عندي هدية!

ثم أعطاني كتاب 

Palgrave’s Golden Treasury


الذي عندما قرأت عنوانه ابتسمت ابتسامة واسعة وشكرته، وقلت لك لهذا الكتاب قصة مع العقاد والمازني، لأن ناقد ما وجه إليهما إتهامًا بالإدّعاء، وقال أن حديثهما عن الشعر الإنجليزي وأعلامه كان يوحي كلامهم عنه بأنهم قد أطلعا على الأعمال الكاملة لهؤلاء الشعراء، بينما في حقيقة الأمر – كما يقول – أن جميع الاستشهادات الشعرية ومقالاتهم عن الشعر الإنجليزي في فترة شبابهم الأول - فما ثمة شك أنه قد أتيح لهما فيما بعد الإطلاع على الأعمال الكاملة – كانت مقتبسة من كتاب الذخيرة الذهبية، وهو كتاب مختارات شعرية لأفضل القصائد والأغاني في الأدب الإنجليزي، فشكرًا!، رغم أن الكتاب متوافر بيسر على شبكة الإنترنت، ولكن لرائحة الورقة (مذاق) أفضل!

كانت جولة ممتعة، والآن دعوني آكل غداءً متأخرًا جدًا!

No comments: