Saturday, February 21, 2009

قطرات من بحر يوسف



(1)

أفتقدك كثيرًا جدًا .. أفتقد أيام الصيف التي تقضيها معي .. التي تنتهي وتذهب عندما تذهب أنت بعيدا .. ليأتي الشتاء!، هل تعرف ما هو الشتاء؟ .. هو هذا الشعور التي تشعر به عندما تتساقط من حولك أوراق شجرتك الصغيرة، فتقضي أوقاتك في الاشتياق لها ولرؤيتها .. هو تساؤلك: متى ستأتي هذه الأوراق مرةً أخرى؟ ..

(2)

أفتقدك عندما يتأخر الوقت ويأتي منتصف الليل سريعًا وأنت معي .. فاصطحبك إلى بيتك سيرًا على الأقدام .. وأتعمد أن أسير كل ليلة أطول مسافة أعرفها تؤدي إلى بيتك لأتمسك بلحظات أخرى قليلة معك ..

(3)

أفتقد تساؤلك الدائم عن كل شيء يجري من حولك .. أفتقدك عندما تشاغب كل قطة تراها في الطريق وأنت تتسلل وراءها بخفة الأسد الذي وجد فريسته أخيرًا .. أفتقدك وأنت ترى الحيوانات الأخرى البريّة الكبيرة وأنت تشير إلى الجميع وتسألني نفس السؤال (هل هو مؤذي؟) ..

(4)

أفتقد خطك الكبير وأنت تكتب به اسمك واسمي .. افتقد رسوماتك الخارجة عن المألوف .. أفتقد متعة أقلام الرصاص والتلوين وأنت معي!

(5)

أفتقد جموحك وشطحاتك ومشاعرك الفيّاضة .. وافتقدك وأنت تسير مع صديقتك التي صاحبتها لا أعلم متى وأين، وأنت الذي لم يمر على وصوله سوى القليل .. ووقوفك معها أثناء اللعب هاتفًا بأنك تحبها .. أفتقد تورّد وجنتيها عندما نتسقّط أخبارك منها .. أفتقد ابتسامتي عندما أراك منخرطًا في لعب الكرة وهي تنظر إليك وهي جالسة على أسطح السيارات .. أفتقد مخاوفي على قلوبهن ..  لأنك سترحل!

(6)

أفتقد مشاغبتك الدائمة مع كل طفل أو جار في مثل عمرك يمر أمامنا أو بجوارنا .. واندفاعك تجاهه وأنت على يقين بأنني سأتدخل عندما ينقلب الأمر ضدك .. يا يوسف! .. هذا الأمر يرهقني كثيرًا.

(7)

أفتقد عنادك الشديد .. وخصامك الدائم مع صديقك (عبد الله) وعراككما المستمر نهاية كل مساء ثم التصالح صباح اليوم التالي .. وعندما أخبرتك أثناء إحدى فترات الخصام بأن تحمل حصاة وتضعها هذه الناحية لكل عيب تراه في (عبد الله)، وتحمل حصاة أخرى لكل ميزة تراه فيها، فلم تضع غير أثنتين في ناحية العيوب وملأت الناحية الأخرى بالحصى .. ثم ذهابك لمصالحته قبل أن تخاصمه مرةً أخرى غدًا!

(8)

أفتقد حساسيتك المفرطة .. وبكاؤك وغضبك .. وأفتقد تلك المرة التي بكيت فيها من أمر ضايقك وأنت تضع رأسك على كتفي .. حتى نمتَ واستيقظتَ وقد أتلفت ملابسي من كثرة البكاء! 

 (9)


أفتقد ترحيبك الحماسي عندما تلاقيني .. فتندفع نحوي لتحضني وأحضنك وأنا أرفعك من الأرض .. أفتقد ضحكاتك الخجولة أحيانًا والساخرة أحيانًا كثيرة .. 

(10)

أفتقدك كثيرًا .. كثيرًا جدًا :)

Wednesday, February 11, 2009

الممارسة .. لأنها الأكثر تأثيرًا! 2



    This is an amazingly touching video that Kevin Kubota just posted on his page which is just a brief look at the trip he took to visit Mama Naomi in Rwanda. It made me think that all the stuff we stress out about on a daily basis is really nothing. (really) 
وكان في وسع هذه الفنانة أن تلقى بعض الكلمات أمام حشد كبير من صحافي هيليوود لتدعوهم للاهتمام بالبلدان الفقيرة التي يعاني أطفالها من اليتم وسوء التغذية، وكان في وسعها أن تشترط أن يكون فيلمها القادم عن هذه البلاد، ولكنها لم تفعل ذلك أو ذاك، وإنما ذهبت إلى هناك وضربت مثل العديدين المثل في أن أهمية الفن تكمن في ممارسته، فهي اختارت الممارسة .. لماذا؟ .. لأنها الأكثر تأثيرًا :)

الممارسة .. لأنها الأكثر تأثيرًا!

صورة الزعيم غاندي أثناء مسيرة الملح وهو يلتقط بعض حجارة الملح من شاطئ البحر

كان المهاتما غاندي (1869 - 1948) يقول: أن مقدار أوقية ضئيلة من الممارسة والتطبيق الفعلي يساوي أكثر من طن من كلام الوعظ والدعوة الدينية .. وكان هو المطبق الأول لمقولته، وتشهد على ذلك مسيرة الملح التي قام بها متحديًا الحكومة البريطانية لقيامها باحتكار صناعة الملح في الأراضي الهندية من أجل توفير جزء من احتياجات جيشها المالية من وراء هذا القرار، وسجن أي هندي يجرأ على صناعة الملح منزليًا؛ وكتب المهاتما غاندي عن ذلك الاستغلال السيئ وتكلم واعترض، وعندما لم يجد للكلام معنى، قام بمسيرته نحو البحر ليصنع الملح بيده وقال إني لا أشتري ملح الاحتلال مادمت أستطيع صناعة ملحي بنفسي، وعاقبته قوات الاحتلال بالسجن ولكن بعد ما حقق بالممارسة والتطبيق الفعلي درسًا غاليًا في معنى المقاومة، واحتفظ التاريخ بمعاني هذه المسيرة ونسى ما قاله غاندي قبلها، وكأن كلامه السابق كان الملح الذي ذاب في الماء.

فالكلام سهل ولكن أنت الذي تعطيه بتصرفاتك معنى، وربما ستكون تصرفاتك بسيطة ولكن معناها سيكون كبيرًا جدًا، والأمثلة كثيرة، فبدلا من استياءك من أن صاحب محل الحلاقة يضع الكثير من المجلات الفنية لتسلية الزبائن فيما لا ينفع أثناء فترات الانتظار، فيمكنك في المرة القادمة لذهابك أن تأخذ معك مجموعة أعداد من مجلاتك الإسلامية، وأتركها عنده، ثق أنه لن يمانع ذلك بل ربما سيشكرك على هذا الفعل، فلا أحد يرفض شيئًا مجانيًا.

وكذلك بدلا من اعتراضك المستمر على قيام سائق الميكروباص بتشغيل الأغاني بصوت مرتفع ومنفر، اصحب معك في حقيبتك دائمًا شريط إسلامي، لشيخ يمتاز بالأسلوب المحبب واللغة السهلة، وأعطها لسائق الميكروباص أو التاكسي الذي ستستقله في رحلة ذهابك أو عودتك من العمل، ربما بدافع الأدب سيقبل ذلك منك، وربما سيطلب الاحتفاظ به، والمحاولة لن تضر!

وحاول شراء مجموعة من الكتيبات الإسلامية ووضعها في مكتبة المسجد، وإن لم يكن لدى جامع منطقتك هذه المكتبة، فاقنع خادم المسجد أن الأمر لا يتعدى بضعة رفوف خشبية ذوات السعر الزهيد وستتكفل أنت بثمنه، أليس كذلك؟!

واغتنم حلول ذكرى أيام ميلاد أصدقائك، واهدي لهم كتاب إسلامي فخم التجليد، وغلفه وقدمه لهم، سيدفعه شكل الكتاب القيم إلى قراءته، حتى وإن لم يكن من محبي القراءة، لأن العين دائمًا ما تشتهي الأشياء الجميلة.

ويقولون أن أولياء الله هم من يذكّرون من ينظر إليهم بالله تعالى ، بمجرد النظر فقط، فكن أنت حسن الهيئة واحمل معك المصحف دائمًا واقرأ منه في أي وقت فراغ وداخل وسائل المواصلات، فمن سينظر إليك سيتذكر الله تعالى، وكأنك ترفع فوق رأسك يافطة كبيرة كُتب عليها (اذكر الله!)، وعوّد لسانك على حكم القرآن الكريم، والأحاديث الشريفة، وأبيات الحكمة الإسلامية، واستخدمها بين طيات حديثك المعتاد مع أصدقائك ببساطة من غير تكلّف، فكل هذه طرق غير مباشرة لغرس هذه الآداب الإسلامية في تصرفاتهم، وتأكد أن هذا الغرس سيثمر في وقتٍ ما.

Tuesday, February 10, 2009

المتنبي في روسيا!


        القصة المعتادة، خرج من السجن في روسيا وبحث عن وظيفة فلم يجد فاضطر أن يعود للسرقة، وكانت خطة السرقة هذه المرة بسيطة وناجحة، أتى المنزل وهو يعلم أن بالداخل طفل 7 سنوات وشقيقته 12 سنة، واللحظة مناسبة فلا أحد معهما.. فرن الجرس وقال من خلال الباب للأخت الكبرى أنه ساعي البريد وأنه يحمل برقية لوالدهم، ففتحت الطفلة الباب لتعطي له الفرصة كي يمسك بها موجهًا سكينا إلى عنقها، ليطلب من شقيقها الصغير أن يأتي له بكل الأموال التي في المنزل وإلا ستموت!.

        وقرر في هذه اللحظة إشباع رغباته العدوانية بطريقة أخرى شيطانية، فبدأ في نزع ملابس الصغيرة، قبل أن يشاهد ذلك شقيقها ليدرك على صغر سنه ما يرمي إليه، فأسرع إلى المطبخ القريب وسحب سكينًا كبيرًا وأتى من وراءه وطعنه في الظهر طعنة واحدة بيده الضعيفة، لم تكن كافية لقتله، ولكنها كانت كافية جدًا للصغيرة كي تفلت من قبضته وتهرب بعيدًا لجلب النجدة.

ولكن هذه الطعنة بالإضافة إلى هروب الصغيرة زادا من غضب الرجل، فأمسك بشقيقها وطعنه في عنف ثماني مرات إلى أن فارق الحياة، ثم هرب واختبأ داخل منزل مهجور قبل أن يرشد السكان المحليون الشرطة إليه، ليدخل السجن بتهمتي القتل والسرقة، وليلعب دورًا مؤثرا في قيام الحكومة الروسية بصياغة قانون جديد مشدد في حق من يرتكبون الجرائم ضد الأطفال.


ومنحت روسيا وسام الشجاعة لوالدة البطل الصغير الذي أصبح فخر مدينته وخاصة مدرسته التي قامت بوضع صورته على الديسك الذي اعتاد الجلوس عليه داخل فصله، فصورته تساوي الآن ألف درس يمكنها أن تعطيه للتلاميذ الصغار عن معاني الشجاعة والتضحية الحقيقية .. وأكثر تأثيرا من المتنبي إذا جاء إلى مدرستهم وأنشدهم:
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى
حتى  يُراق  على  جوانبه  الدمُ



صدقت يا سيدي المتنبي ولكنهم يعرفون ذلك الآن!

Friday, February 6, 2009

الأضواء والظلال بين الدين والمجتمع


كتبت الروائية الحائزة على جائزة نوبل «بيرل باك» رواية عن فتاة صينية تزوجت تبعًا للتقاليد من ابن صديق لوالدها درس وتعلّم لسنوات علوم الطب في بلاد الغرب، وعندما عاد تزوج تلك الفتاة التي كانت تؤمن منذ الصغر بأن علامة جمال المرأة تكمن في صغر ودقة مقاس القدم، فهذا ما تعلمته من الأعراف الصينية التي أخذتها من فم والدتها، التي كانت تشرف وهي طفلة على نقع قدميها في الماء الحار وشدهما بالأربطة، ويزداد الشد يومًا عن يوم، فإذا ما اشتكت الطفلة وبكت في جزع، ذكرتها والدتها بأن زوجها في يوم من الأيام سيطري جمالهما، فتتحمل الطفلة من أجل ذلك هذه الآلام في صمت؛ ولكن الذي حدث أن الزوج العائد من بلاد الغرب، طلب منها ذات يوم بعد زواجهما أن تحرر قدميها، لأن ذلك الرباط الضاغط حسب ما تعلمه في بلاد الغرب غير صحي للجسم والعظام، وأنه يرغب في أن تفك الأربطة لأنهما غير جميلتين! .. فكان من الطبيعي أن تتألم الفتاة أكثر لأن جميع ما بذلته من اهتمام فائق منذ صغرها في شيء كانت تظنه يحمل كل معاني الجمال أصبح الآن في لحظة واحدة بلا قيمة.


ومعنى هذا أن الإنسان في أحيانًا كثيرة يبذل طوال حياته مجهود دائم ومستمر من أجل أن ينال شيئًا جعلته تقاليد وأعراف المجتمع غاية الأمر من الحياة، ويتمثل هذا في دراسته والتحاقه بكليات القمة والعمل بكد من أجل توفير الحياة اللائقة له، وقد ينفق الإنسان العمر بأكمله في هذا الطريق المرسوم له من قبل المجتمع، ولكنه ينسى شيئًا هامًا خلال هذه الرحلة .. وهي تنمية الصلة والأسباب التي بينه وبين ربه.
ويغفل الكثيرون عن هذا، لأنهم يعتبرون أن غاية الأمر من ناحية الدين هي المواظبة على الصلاة وقراءة القرآن وصيام رمضان، وهذا حَسَنٌ، ولكنه لا يكفي، فالإنسان وخاصة في مرحلة الشباب يمر كثيرًا بمرحلة الفراغ النفسي، ويكون في هذه المرحلة عرضة لكثير من الفتن ومنها الفتن الدينية، فقد ينجرف بدون وعي إلى إحدى الجماعات الدينية المتطرفة فتسئ لمفاهيم الدين التي لم تنضج بعد لديه، فيعتنقها طوال حياته ويدافع عن تطرفها بقوة رغم أخطائها الواضحة.


وفي مرحلة الشباب أيضًا يظن الإنسان أنه يفهم الكثير من كل شيء، ويظن أن كتاب الله الذي يقرأه لا يحتاج لتلك الكتب الضخمة في تفسيره فالآيات في مجملها واضحة أمامه ويدرك القصد منها تمامًا، ولكن الأمر ليس كذلك!، فيقع في أخطاء ما كان سيقع فيها لو بحث وقرأ واستفاد وعرف قيمة العلم ومتعة اكتشاف المعلومات الجديدة التي تتصل بدينه.



ويوجد صنف آخر من الناس لديه قناعة عالية بأن هذا الدين بوضعه الحالي قديم!، ويحتاج للتجديد وذلك بأن يكون أكثر عصرية!، ولنا أن نعذرهم في هذا التفكير، فهم يرون أن أكثر رجال الدين يتحدثون عن أمور لا تفيدهم في واقع حياتهم، وأن الكتب التي على الأرصفة إما كتب تراثية صفراء في طبعات جديدة نالت شهرتها قديما وحديثًا لأنها كانت متماشية مع ذوق وفكر عصرها الحالي، وإما كتب كتبها معاصرون ولكن بنفس فكر الكتب التراثية القديمة وبنفس الأفكار وإن جاءت في ثوب جميل من الألفاظ.
ولذلك فهؤلاء الصنف من الناس يملك إجابة دائمة لكل المعاملات والمسائل المعاصرة، وهي أن الدين ليس عصريًا ولا مجديًا إلا في فقه العبادات، والتي هي الوضوء والصلاة والصيام والزكاة والحج، وباقي أبواب الفقه تحتاج لإعادة النظر بروح عصرية لهذه المعاملات المستحدثة في حياتهم، وإنه ما دام قد ارتضاها أكثر المجتمع فهي لا بأس بها.


ومن ذلك أن نظرة العديد من الناس لم تتغير تجاه معاملات البنوك والفائدة، رغم أن الربا ربا، وتجاه التعدي على الحقوق الفكرية للمؤلفين وتداول الأفلام والشرائط والكتب المنوعة على شبكة الإنترنت بين الأصدقاء والمعارف، رغم أن السرقة سرقة، وبين ضياع حقوق الجار واستحلال أشياء كان يراها أهل العصور الإسلامية الأولى في مضمونها الأساسي من أعمال الفاسقين من الناس ومثل هذا كثير!
وهناك على الجانب الآخر العديد من المتبحرين في الدين الذين يرون أن السلامة في اعتزال الناس، وعذرهم في هذا أن المجتمع فاسد، فهو لا يسير على النمط المثالي للإسلام في العصور الأولى له، وأنه لا فائدة ولا قدره لهم على محاولة الإصلاح، لذا فالأفضل أن ينصرفوا إلى شئونهم الخاصة مع إظهار الاشمئزاز على ما يرونه من الفساد!


وهم على خطأ، لأن ذنوب المجتمع، أي مجتمع، عندما تكبر وتتضخم فهي تلتهم الجميع، ولا تفرق بين صالح وطالح، وبين مرتاد الأندية الليلية وبين مرتاد المساجد، وقديما قال الخليفة عمر بن عبد العزيز «كان يُقال: إن الله تبارك وتعالى لا يعذّب العامة بعمل الخاصة، ولكن إذا عُمِلَ المنكرُ جهارًا .. استحقوا العقوبة كلهم»
ويعتقدون أيضًا أن الواقع أسوأ وأنه لا أمل في المستقبل وأن هذا زمان الفتنة، ولكن لماذا؟!، فمادمت قادرًا على التكلم والتصرف فهناك متسع للمحاولة وفرصة للتغيّر، وفي ذلك يقول الدكتور يحيى هاشم فرغل «أن النظام الإسلامي لم يصل قط إلى مرتبة التطبيق الشامل، وأن ذلك لا يحسب على الإسلام ضد صلاحيته .. ولكنه يحسب له باعتباره هدفًا خالدًا لهذا التطبيق، وأن سر بقاء الإسلام يكمن في أنه يستعصى على التطبيق الكامل .. ليظل مثلا أعلى تسعى البشرية إلى الاقتراب منه.»


وهو على حق فهناك دائمًا الكثير من الأنوار لمَن يرغب في الرؤية، وكثيرا من الظلال لمن لا يرغب!