Saturday, June 18, 2011

بعيدا عن الواقع



تأخرت منذ بداية الشهر عن تحديث صفحة قراءاتي على موقع جودريدز، وأخشى النسيان ..

وهذه  ثلاثة مقتطفات سريعة من بعض قراءاتي لهذا الشهر:

والواقع أن حافظًا كان فذَّا في سخائه، ومروءة قلبه، وسماحه نفسه، وسعه صدره، وحبه للخير، هذا إلى ظرفٍ نادر، وفُكاهة حلوة، وشجاعة عظيمة في تقبّل ما تجئ به الأيام – وما أكثر ما تقلّبت به – في مرحٍ، ولم يكن هذا منه عن استخفاف، بل عن أباءٍ واستنكاف أن يظهر ضعفًا، ومن حسن تقديرٍ لقيم الحوادث – من خيرٍ وشر، ولم يكن هزّالاً،  على كثرة مرحه، فقد كان يكرم نفسه ولا يهينها أو يسفَّ بها، ولا يصبر على مذلةٍ، ولست أعرف أن أحدًا اجترأ عليه بإهانة.

جزء من شهادة إبراهيم عبد القادر المازني في حافظ إبراهيم، وهي شهادة كتبها قبل وفاته بقليل، تبّرأ فيها من سلاطة لسانه وتطاوله – كما قال – عندما تعرّض لنقد حافظ، وقال أن أخطأ في ظنه أن نقده قد يهدم رجلا بناه فضله في حياته.


وأذكر أن أحد زملائي من الطلبة الفلسطينين بدار العلوم سنة 1934 وكان ممن تخرجوا في الجامعة العبرية، طلب مني أن أقدمه إلى العقاد ليسأله بعض الأسئلة في موضوع كان يعدّ فيه رسالة، واستأذنت العقاد في ذلك فأذن، ومضينا في اليوم نفسه، الصديق وأنا إلى العقاد بدار جريدة الجهاد، ولقيناه في الساعة الثامنة مساءً، وقدمتُ إليه الزميل فرحّب به، وبعد قليل كان الزميل يسأل العقاد رأيه في (ماكس نوردو) وفلسفته وكتبه وحياته، وأفاض العقاد وأطال الحديث فيما سأل فيه زميلي، وحلّل (نوردو) وحياته وفلسفته، وخصّ كتبه بالتفصيل والتعقيب، كل ذلك دون تحضير أو إعداد من العقاد، وانعقد لسان الزميل دهشًا، وامتدت الندوة المفاجئة حتى مال ميزان الليل، وفات العقاد آخر قطار مترو فركب تكسيًا، وأخذ صديقي يروي للناس ما رأى وما سمع، وعدّها معجزةً لا يجود بمثلها الزمانُ كثيرًا.

جزء من ذكريات الشاعر (العوضي الوكيل) عن أستاذه العقاد، والكلام لا يثير الدهشة الآن، فالعقاد له معجزات أكثر من تلك!!

.. وكان يتصيّد الفرص لمثل هذا التشجيع، ففي مرة وأنا في الثالثة الابتدائية، ركبتُ وإياه ترام العباسية القديم، وكان كل راكب يقرأ على مسند المقعد الذي أمامه:
إذا أردتَ النزول اطلب من الكمساري توقيف القطر)، فسألني هل أستطيع أن أقلب هذه العبارة شعرًا أحرص فيه على ألفاظها قدر الطاقة؟، وبعد أن أسمعته ما حضرني، قال: ألم يكن الأقرب إلى الأصل أن تقول:

إذا رمتَ النزولَ، أخيَّ، فاطلبْ
من الكمسارِ توقيفَ القطارِ

من ذكريات مجد الدين حفني ناصف عن والده، وتربيته لهم على حب الأدب وقرض الشعر


كان شوقي في مجالسه يستمع أكثر مما يتحدث، ولكنه مع ذلك لب المجلس وأنسه على صمته، لشعورك أن هنا قلبًا ذكيًا ونفسًا تضئ، وأن الغائب عن المجلس من قلبه يشتغل في عالم آخر ليس عالم السمر العابر الذي نحن فيه؛ شخصيتان، شخصية ظاهرة تدخن اللفائف وتحتسي القهوة وتبسم للنكتة وتشارك في اللهو والمرح، وشخصية باطنة عاكفة على عالمها سابحة في آفاقها تطالعنا بين الفينة والفينة بالمعجزات التي بها كان شوقي مَن كان في دنيا الأدب ..

وكان على ذلك يحب الدعابة راويًا لبعض لطائفها في قصدٍ وإقلال، أو مستمعًا لها في استمتاع وإقبال، حدثني بأن خاله – رحمه الله – كان كثيرًا ما يقول له: أتدري يا أحمد ماذا يحدث لي لو نزل بي الموت؟، والله لو متُّ كنت (أتجنن!)


من ذكريات محمد توفيق دياب عن أمير الشعراء أحمد شوقي

..

وكل ما سبق يظهر إلى أي مدى أنقطعت عن هذا العالم، وأصبحت أثيرًا في فضاء (المثل الأعلى)، أصدقكم القول، أصبح حالي لا يعجبني، وكلمة (أصبح) غير مناسبة تمامًا، فهذا منذ الأزل، كم أرغب في أن أتمرّغ في الطين وأرتبط بواقع عالمي الذي يحيط بي وأنا جاهلٌ به تمامًا، وتكون فرصة لأرى الحياة خارج منظار عالم المثل الأعلى، ولو قليلا!

No comments: