Monday, June 25, 2012

ألحان ملتهبة








هو اسم ديوان شعره الأول الذي أخرجه عام 1954 في زهوة الثلاثين، وفيه ما فيه من تخيلات هوى الشباب، ندرك أنها كذلك لأنها تتكرر فيها الصور والكلمات ذاتها، فهي «ألحان ملتهبة»، بـ«ـموسيقى الشعور»، وهو« يعزف على العود ألحان هواه»، و«يغنّي ألحانه»، وهو «كالطير المحلّق في سماوات الهوى» ..


ولا تسيئوا بي الظن!، فإني أحب قراءة هذه الأبيات، فهي تشبه إلى حدٍ ما تعلّم الطفل للأبجدية، وترديده للكلمات الأولى .. ألفٌ: أرنب، باءٌ: بطّة، وبعد ذلك .. فالطريق أمامه لا متناهي المدى!


••

وهناك قصيدة، كواسطة العقد، لأن الشخصية ظهرت!، فالقصيدة عن الصحراء، واستهلها بمقدمة نثرية يقول فيها أن كان يرسم للصحراء في نفسه صورة حية مغرية، ولهذا شعر بالرضا والارتياح حينما واتته الفرصة ليعيش هناك فترة من الزمن، ولكن سرعان ما ضاق بها وبحياتها القاسية!


هذه مشاعر صداقة لا زيفَ فيها ولا مجاراة لأحدٍ:


وحوليَ أهوالٌ وذعرٌ ووحشةٌ
تُثير بقلبي الرعبَ في الصحو والنوْمِ

يفزّعني سيْلُ الأفاعي كأنها
حتوفٌ مغيراتٌ مسدّدة السهمِ

وللريحِ فيها هَيْجَةٌ إثر هيجةٍ
مُعقربةٍ محمومةِ اللفحِ والسمِ

وما أنا ذو بأسٍ فتخبو مخاوفي
وما أنا ذو حلمٍ فينفعني حلمي

هواجسُ نفسي تستفزُّ مشاعري
وتحرمني أمني .. وتسلبني حزمي

أخافُ الدواهي جاهلاً بوقوعها
فكيفَ بأمْنيها إذا كنتُ ذا علمِ

وليسَ أمامي مهربٌ، فأرودهُ
ولا راحةٌ لي من ملالي ومن سقمي


••
  

وضعَ المؤلف على عادة هذا العصر، صورته الفوتغرافية، ليصدّر بها الصفحة الأولى، وهو وسيمٌ، كثيفُ الشعر، ناضر الوجه، عينان تواجه الرائي ويشع منهما بريقٌ لا يتجاهله أحد، بذلة كاروهات زاهية، مع رابطة عنق ملفتة بمقاييس هذا العصر، كل شيءٍ ينطق بشطر بيت أبي العتاهية في أرجوزته:

روائحُ الجنّةِ في الشبابِ



ثم بحثتُ عنه جوجليًا ..


توفى - رحمه الله - عام 1999، بعد أن أخرج بعد هذا الديوان عدة دواوين أُخَر، وكانت هناك صورة له، هذه صفحةٌ من الكتاب، فاقلب!، ابيّض الشعر الاسود وانحسرت غاباته، وانطفأت العينان الهاربتان من المواجهة، وتمطّت علاماتُ الهرم على وجهه القديم، وارتدى بذلة سادة لا شية فيها أو علامة بارزة.



••



وماذا بعد؟




نشروا له قصيدة أخيرة، كلحنٍ ختامي أخير، قالَ فيها :



لم يبق من أحبابنا أحدُ 
وكأنهم للموت قد ولدوا

كانوا هنا بالأمس كلهمو
وأنا بهم مستمتعٌ غردُ

أشدو ألاحين الحياة، وبي 
شوقٌ كمثلِ النار يتقدُ

وكأن قلبي فى تهلله
روضٌ عليه الطير يغتردُ

آهًا عليهم!، فُضّ سامرهم 
وتشعبوا، وطواهمُ الأبدُ

وبقيتُ وحدى لا أنيسُ، ولا 
سلوى عليها النفس تعتمدُ

حتى الشباب - وكان لي مددا 
إن طمّت الآلام والكمد -

ولّى!، وكنتُ على الخطوب به 
أقوى، ولي من بأسه سندُ

نزحتْ ينابيعي، وكنتُ بها 
ريّان للأفراحِ أحتشدُ

وتناثرت سفني وأشرعتي 
فقبعتُ فى الأرياح أرتعدُ

تتبرجُ الدنيا، فأهملها 
وتروق أورادي فلا أردُ

ياحسرةً فى القلبِ تعصفُ بى 
أكذا النهايةُ؟، شدّ ما أجدُ!

هى محنة ُالفقدِ الأليمِ، ومَن 
يعشِ الحياةَ يظلُّ يفقتدُ


••


ألا .. ليجزل الله مثوبته!


••

The picture « Viejo Maestro» © James Sparshatt

 


3 comments:

Emtiaz Zourob said...

استمتعت بمروري هنا وقراءتي

ولكنك لم تشر لصاحب الأبيات .. يا ترى من تقصد بكلامك ؟؟

Emtiaz Zourob said...

هل تقصد عبد العليم عيسى ؟؟

يا ريت تنوه لاسمه لان هناك من لا يعرفه

:)

أحمد فضيض said...

نعم هو، لم أشر لاسمه لأنني وضعت تلميحات كثيرة لمن أراد البحث عمن تحدثت ، ولأنني أردتها في الغاية الأولى أن تكون صورة عامة دالة على مرور السنوات، ولا ترتبط بأحد

شكرًا لك، ولأسلافك الكبار :)